آخر الأخبار

في محراب الفنان التشكيلي عبد الفتاح لعديوي

محمد السريدي 

كانت زيارة خاطفة رفقة العزيز الحاج عبد اللطيف الى حي بوعكاز كافية للوقوف على السر الذي جعل عبد الفتاح لعديوي ينزوي ويغيب عن المدينة التي كان يملؤها حركية ونشاطا، فقد اوقف حياته على  الصباغة و الريشة التي عشقتها منذ الصغر. وهو التلميذ المشاغب الذي يستغل أية فرصة لالتقاط كل ما يأتي لمخيلته،الطفل لم يسبق له مشاهدة الفيل الا في صور نادرة تمكن من رسمه على السبورة لمعلمة اللغة الفرنسية، بعد أن احتج لها معلم اللغة العربية على لوحة رسمها عبد الفتاح له، وهو الذي اعتقد بعد وشاية تلميذة انه يحمل آلة تصوير ليكتشف المعلمان أن التلميذ عبد الفتاح يوثق كل ما يحيط به في دفتر الرسم الخاص به تاركا الدفتر الاصلي لما يتلقاه بالفصل الدراسي،وانه يحمل عشقا خاصا للرسم والتشكيل ، لكن الوالد رحمه الله رغب في متابعته الدراسة والعلم .

شاءت الأقدار أن يغادر عبد الفتاح الدراسة وينقطع عن هوايته المفضلة،لتبتلعه ظروف الحياة : العمل،الزواج الأولاد ،…الخ  كالمجاري المائية التي تنطلق من الأعالي لينتهي بها المطاف في البحر ، لكن الفنان عبد الفتاح سيعود الى منبعه الاصلي عملا بمقولة ”  الرجوع الى الاصل فضيلة ” .

 

وهو يشيد منزل الأسرة بحي بوعكاز الجديد ( الغرف، المطبخ، الحمام وباقي المرافق الضرورية الحياة الأسرية ) لم ينس  الفنان عبد الفتاح هوايته التي ابتعد عنها، ليشيد فضاء يحتضن مخياله الشخصي وموهبته التي لازلت دفينة لسنين عديدة، ليقضي به ساعات طوال بين الريشة والصباغة كل شيء عنده بالكياسة التي دأب عليها داخل الأسرة بحي عرصة المسيوي .بدأ عبد الفتاح مسيرته التشكيلية بلوحات تشخيصة، اعتبرها فترة تدريبية دشن بها  عودته إلى محراب الفنون، وهو يتغي نقل أشياء حقيقية خالدة في ذهنه كنماذج، يمثلها إما بشكل متماثل أو أقل منها، الأمر الذي لم يكن يشفي غليل عبد الفتاح ،الذي كان يقضي ساعات في النسخ أو إعادة الإنتاج حتى أدق التفاصيل.قبل أن يقرر الانتقال الى التجريد تاركا الحرية لمخياله لابداع لوحات رائعة تترجم الحياة الخاصة له وهو على مشارف نهاية العقد السابع من العمر. لوحات قليلة تتضح من خلالها مسيرة عبد الفتاح في حياته الخاصة، ومشاعره وعلاقاته العديدة والمتعددة بمدينة مراكش التي لاشك اثرت الوانها وروائح اسواقها حدائقها وتربتها في تربية عبد الفتاح المتفرد بصيغة الجمع.

لوحات تنطق بما يعتمل داخل جسد انهكته مشاغل الحياة اليومية في صمت،ل حلت لا شك انها ستنوب للبوح بما ظل يخفيه عبد الفتاح من تيمات و افكار ومسلكيات  شخصيات رافقها منذ الطفولة . 

 

لوحات تنقل الواقع إلى اللاواقع، وتذهب بعيدا في ذلك، قبل أن تغور فيما تبدع إلى حدوده القصوى، الى تجرداته المتناهية؛ فتصير حينها رديفة الفلسفة، تتعاطى مع الحركة والتغير،والزمن والحدث، والكينونة والهوية، والباطن والظاهر، والروح والجسد… وبلغة بصرية متفردة، تطرح الأسئلة الانسانية العميقة، وتجعل المتلقي يألف اللوحات التشكيلية البسيطة للفنان عبد الفتاح بما تكتنزه من جمال وتعبير فني،كما حدث مع بن الشيخ الذي التحق بنا، ونحن ( رفقة الحاج عبد اللطيف افدير ) على اهبة الاستعداد لمغادرة المرسم و اللوحات الصغيرة للانخراط في لوحة تشكيلية اكبر وأعني بها مراكش العتيقة عبر اسواقها وزحمتها للتملي بأخ عزيز وهو الحاج عبد الجليل الجعيبي للاسف لم نجد عنده الشريف مولاي العربي الادريسي الدفلي الذي  يصر دوما على ” بدعته ” المستحبة في التخفي و السير جنب الحائط تاركا شقيقه الروحي الحاج عبد الجليل مع عشقه الابدي ( الجلد ) الذي يحوله الى تحف فنية راقية.