آخر الأخبار

عمار سعيداني و طلب اللجوء السياسي بالمغرب

لست ادري ما اذا كان مايروج عن طلب عمار سعيداني، الامين العام الاسبق لجبهة التحرير الوطني الحاكم بالجزائر والرئيس الاسبق للغرفة الاولى للبرلمان بهذا البلد الذي كان مقربا جدا من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة واخيه السعيد، اللجوء السياسي بالمغرب، بعد مغادرته فرنسا نحو البرتغال، فالمصدر الوحيد الذي اعتمدته كلوسائل الاعلام التي تطرقت للموضوع هو جريدة “لوسوار دالجيري”، التي تنطق باسم جزء من العصابة الحاكمة في الجزائر، وبالاخص المخابرات العسكرية.
بعض التعاليق ذهبت اثناء الحديث عن طلب اللجوء هذا الى استحضار موقف عمار سعيداني المعبر عنه بشكل صريح في حوار مع موقع كل شئ عن الجزائر TSA الذي يؤكد على مغربية الصحراء و يعتبر بوليساريو عالة على الجزائر يجب ان تتخلص منها و يدعو الى فتح الحدود المغربية الجزائرية المغلقة،واعتبرت تلك التعليقات ان ذلك الموقف كان سببا في انهاء دوره السياسي و تعريضه للمتابعات القضائية وتهديده واخيرا هروبه الى فرنسا.
والواقع ان موقف سعيداني ليس موقفا فريدا في الجارة والشقيقة الجزائر، سواء وسط السياسيين او المثقفين او الجماهير الجزائرية، وقد عبر عن نفس الموقف محمد بوضياف و الحسين ايت احمد و بنيوسف بنخدة و فرحات عباس ولويزة حانون وغيرهم، لكن توقيت تصريح سعيداني، وبصفته السياسية والحزبية، اضفي عليه طابعا خاصا في التوقيت الذي صدر فيه، لانه كان رسالة مزلزلة وجهت لجهاز المخابرات الذي تحكم تاريخيا في بوليساريو و استعملها استعمالا كلبيا ضد المغرب وضد امكانية انتقال الاتحاد المغاربي من مرحلة التاسيس الى مرحلة الوجود والتطور المفتوح على التعاون والتكامل.
فقد لعب سعيداني دور كاميكاز في معركة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة واخيه سعيد ضد جهاز المخابرات ورئيسه محمد مدين (المعروف بالجنيرال توفيق)، الذي كان يطلق عليه اسم رب الجزائر وصانع الرؤساء والحكومات ….الخ، حيث قام سعيداني بمهاجمة الجنيرال توفيق بقوة وبالاسم وكال له الاتهامات في اطار خطوة اعتبرها الكثيرون انتحارية، لكن هذه الخطوة لم تبق معزولة، اذ تلتها خطوات استهدفت جنيرالات من مساعدي توفيق ثم خطوة الاطاحة بتوفيق نفسه وحل جهاز المخابرات الذي يشرف عليه والحاقه بسلطة الجنيرال كايد صالح، قائد الجيش الذي عينه بوتفليقة نائبا له في وزارة الدفاع، و هكذا انتهى وقتئذ المسار الوظيفي لمحمد مدين الذي بقي على راس المخابرات مند 1992 و تمكن الجيش مدعوما من طرف الرئيس من كبح جموح المخابرات وانهاء سباقه-نزاعه معها بوضعها تحت سلطته. وكان الجنيرال كايد صالح وقتئذ رجل ثقة بوتفليقة ويده الضاربة وكان اخ الرئيس على صلة وثيقة به، وذلك قبل ان يقع ماوقع في ظل الحراك الشعبي الذي انطلق وانهى قصة العهدة الخامسة.
هذا تذكير بسياق تصريحات سعيداني وقتئذ المتعلقة بالوحدة الترابية للمغرب التي لا اشك في انها تعبر عن قناعة شخصية لرجل عرف ماعرف بعدما وصل الى اعلى مستويات الدولة، لكنني اعتقد في نفس الوقت انها كانت تروم، كغيرها من تصريحاته، استفزاز وارباك الجنيرال توفيق ومن معه في اطار معركة كسر العظام التي كانت مستعرة انذاك، ورغم علاقة سعيداني بالرئيس واخيه وموقعه في جبهة التحرير الحاكم، فقد كان لزاما ان يرحل، لان رحيل توفيق وطرطاق وحسان وغيرهم من الجنيرالات الذين اجرموا في حق الشعب الجزائري والشعب المغاربي عامة لم يكن يعني نهاية نفودهم ولا نهاية النزاع بين اطراف النظام الجزائري، الذي تفاقم، وهو ماكان، و ما اصبح بعد ذلك رحيلا عن الجزائر نفسها بعد انقلاب الجنيرال كايد صالح ضد بوتفليقة و شنه لحملة اعتقالات في صفوف رموز النظام الذين كانوا فيما يبدو يتهياون للتضحية به.
واليوم يعرف سعيداني ان توفيق عاد الى حكم الجزائر، بعد ان اطلق سراحه وعاد حليفه ووزير الدفاع الاسبق خالد نزار بقرار من الجنيرال شنقريحة، وان عودته تلك ستجعله ينتقم من خصومه بطرقه الدموية التي عرفها الجزائريون في العشرية السوداء وبعدها. عودة الجنيرال توفيق الى التحكم في مقاليد الحكم والى استعمال اساليبه المخابراتية التي تعلمها من الكاجي بي و من التخلف اشعرت السعيداني انه لن يكون في امان في فرنسا، التي قد تدفعها حسابات المصلحة الى التصحية به وبغيره، و لذلك انتقل الى البرتغال حيث يقل نشاط المخابرات الجزائرية مقارنة مع كثافته في فرنسا واسبانيا، وربما لن يشعر الرجل بالامان هناك طويلا،