آخر الأخبار

تغرمت نايت عشة – 2 –

قصر آيت عشة هذا ، قصر صغير جدا محصن بسور به أربعة أبراج ، و مدخل واحد كبير له باب من ألواح الصفصاف السميكة ( فم القصر ) ، خلفه من الداخل منضدات من تراب ( الدكانات ) مرصصة على جانبي بهوه تنتهي بممر نحو المسجد الصغير ( تمزييدا ) و بين المنضادات تمتد سقيفة طويلة مظلمة تتفرع في آخرها ثلاث أزقة ( زقاقات ) ، كما أن للقصر مدخلين صغيرين تم نقبهما في السور ، يسميهما الأهالي ( النقبية ) لتسهيل الولوج إلى القصر من جهتي الشمال و الغرب ، بل هناك من البيوت من لها باب في السور يفضي إلى خارج القصر ، و كان الأهالي يتخذونها ممرا فيخترقون بيت صاحبه دون استئذان منه و هو أمر عادي بالنسبة إليه ، ما تبث يوما أن تضجر أحدهم من مرور أهل القصر بسقيفة بيته دخولا أو خروجا من و إلى القصر ،و هذه واحدة من مميزات قبيلة آيت عشة .

و لقد حبا الله هذا القصر بإمام للمسجد من خيرة و أطيب رجالاته ، إنه الفقيه ” الطالب العماري ” رجل جمعت فيه كل الخصال الحميدة جعلته أعظم الناس في أعين الأهالي و كان رأس ما أعظمه عندهم صبره اللامنتهي و تواضعه الجم
و حياؤه الدائم و قناعته و عفة نفسه الأبيتين ، مما جعل منه الإمام و المصلح ذات البين و المستأمن على الودائع ، لا ترد له كلمة و لا يخيب له رجاء .
إلى هنا لا أظن أن هناك فرق بين قصر آيت عشة
و سائر القصور المجاورة ، و لا نراه يستفرد بما يثير الاهتمام ، و لكن هناك أشياء سنأتي على ذكرها هي التي جعلته يتميز عن غيره ، فلا تمل عزيزي القارئ و جاريني في تصوري حتى النهاية ، و بعدها لك الحق في إبداء رأيك إذ لا ملامة على الكاتب و لا حرج على الناقد ، فكلاهما في خدمة الثقافة .
هل تعلم أن عدد الأسر بهذا القصر لا يزيد عن الثلاثين كلهم من الأمازيغ باستثناء ستة أو سبعة أسر لا يعودون في أصلهم إلى الأمازيغ و لكنهم انصهروا مع الآخرين ، و اندمجوا اندماجا عجيبا قل نظيره ، بل أصبحوا يتكلمون الأمازيغية ، حتى أنه يصعب على الزائر التمييز بين هؤلاء و أولئك ،
و الكل على قلتهم متعاونون متحابون ، لا نعوت استهزائية بينهم ، إذا دخلت بيت أحدهم تشعر و كأنك في بيت أهلك تستقبل بالحفاوة و لا تخرج منه إلا وفي يدك قطعة خبز
أو حفنة تمر أو فاكهة من الفواكه الموسمية التي تجود بها البساتين و ما أكثرها آنذاك و ما أطيب طعمها .
ليتك حضرت عرسا من أعراسهم التي كانت تدوم أسبوعا كاملا يجسد فيه الأهالي كل الطقوس و الأعراف المتوارثة حيث لكل طقس منها أهازيجه و أشعاره و التي يسهر على تنظيمها و إتقانها المتمرسون من الرجال و النساء ، فلكل واحد منهم دوره المعروف الذي يسند له القيام به ، فالكل يساعد بما ملكت يده ، و الكل مدعو للوليمة دون استثناء فلا فرق بين الضيف و المضيف و كأن القصر بأكمله أسرة واحدة .
و ما قيل عن الأفراح يقال عن الأتراح و إن كانت هذه الأخيرة لا تستغرق إلا ثلاثة أيام ببيت صاحب المأتم ، إذ تتم استضافة الأسرة المكلومة من قبل الساكنة بالتناوب .
باختصار شديد أرغمني عليه تخوفي من ملل القارئ ، سأمر مر الكرام على البرنامج اليومي لأهل آيت عشة .
ففي الصباح الباكر أيام الصيف و قبل أن ترسل الشمس أول شعاع لها ، يخرج الأطفال عن بكرة أبيهم إلى واحات النخيل لالتقاط البلح ، و لا يسمح لهم بذلك في عرفهم إلا بعد الترخيص من “شيخ المزرعة ” أي حارسها ، الذي ينادي بأعلى صوته قائلا عبارته المألوفة :
🔹 وا طيحوا 🔹
و تعني انطلقوا ، و الويل كل الويل لمن يخرق قانون العرف المعمول به فقد يؤدي غرامة مالية تسمى ( النصاف ) ،