آخر الأخبار

بيان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان

تخلد الأسرة الأممية لحقوق الإنسان اليوم الدولي للشعوب الأصلية، هذه السنة، تحت شعار: ” ضمان ألا يتخلف أحد عن الركب: السكان الأصليون والدعوة إلى عقد اجتماعي جديد”. هذا اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 214/49، بتاريخ 23 ديسمبر 1994، والذي يصادف يوم 9 غشت من كل سنة. وهو تاريخ يرمز إلى انعقاد أول اجتماع للفريق العامل المعني بالسكان الأصليين، التابع للجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان؛ ويعتبر كذلك مناسبة لاستحضار معاناتهم من أجل العمل على تعزيز وحماية حقوقهم والنهوض بها. وقد كشفت جائحة ” كورونا”، بشهادة الخبراء المهتمين، عن العديد من أوجه الاختلالات والتفاوتات القائمة بين السكان الأصليين وأنظمة الحكم السائدة في بلدانهم؛ من حيث الفوارق الاقتصادية والحرمان من الخدمات الاجتماعية، وعرت على حالة الهشاشة والفقر، وسوء المعاملة المبنية على التمييز والاضطراب المؤسساتي، بسبب الشعور بانسلاخهم عن طرقهم الخاصة في العيش والوجود.
وفي رسالة بعث بها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، يوم 09 غشت 2021، إلى شعوب العالم عبر فيها عن أن ” الشعوب الأصلية مازالت، في مختلف أنحاء العالم، تواجه الكثير من التهميش والتمييز والاستبعاد، وتقاوم ضد كل أوجه التفاوتات المتأصلة في النظام الاستعماري والأبوي…”؛ كما ذكر بأن ” التاريخ الحديث يشهد على استئصال الشعوب الأصلية من أراضيها وأقاليمها، ومن استقلالها السياسي والاقتصادي، بل وحتى من أطفالها، كما تعرضت ثقافتها ولغاتها للطمس والتشويه… وقد اطلع العالم، مرة أخرى، على جزء من الرعب الذي تعيشه مجتمعات الشعوب الأصلية على يد المستعمر…”؛ مضيفا في معرض حديثه، في إشارة إلى ألمانيا و كندا، أن ” بعض الدول بدأت تحسن التعامل مع هذا الإرث الشنيع من خلال إصدار الاعتذارات، وبذل الجهود للوصول إلى الحقيقة وتحقيق المصالحة وإدخال إصلاحات تشريعية ودستورية، ولكن مازال الكثير مما يجب القيام به”؛ مؤكدا على وجوب “عقد جديد تستعاد وتحترم فيه حقوق وكرامة وحريات أولئك الذين ظلوا محرومين من الكثير لأمد طويل”.
ومن جهتها، أكدت إحدى التوصيات الصادرة عن المؤتمر 14، المنعقد يوم 12 يوليوز 2021، من طرف الخبراء المعنيين بحقوق الشعوب الأصلية التابع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، على ” تشجيع الشعوب الأصلية على تطوير مبادراتها الخاصة بتنشيط وتعزيز حقها في تقرير المصير، وتحديد سبل ممارسته. وينبغي على الدول أن تدعم هذه المبادرات من أجل فهم هذا الحق، واحترامه والتمكين من ممارسته”.
ويأتي هذا الاهتمام الأممي بشؤون الشعوب الأصلية؛ من جهة، بسبب تصاعد الحركات الاحتجاجية في العديد من مناطق العالم، الناتجة عن تنامي الوعي الهوياتي، والشعور المتزايد بالأخطار التي تتهدد ثقافتها ولغاتها، وأنماط تنظيمها الاقتصادي والاجتماعي؛ ومن جهة أخرى، بسبب انتباه الخبراء الأمميين، العاملين في مجال حقوق الإنسان، إلى ما قد يخلفه، حرمان السكان الأصليين من حقوقهم في الوجود ومحاولات استئصالهم من أراضيهم، من تهديد للسلم والوئام العالميين؛ خاصة وأنهم يعتبرون بقائهم مرتبط بالأرض، ويواجهون باعتزاز متوارث، منذ قرون خلت، خطر القوى الاستعمارية، وتهافتها على أراضيهم ومواردهم الطبيعية واستغلالها لصالح غيرهم. كما تؤكد الأمم المتحدة بأن الشعوب الأصلية اليوم من بين أشد الفئات حرماناً وضعفاً في العالم، لذا يلزم اتخاذ تدابير خاصة لحماية حقوقها، والحفاظ على ثقافاتها، وطريقة حياتها المتميزة وأساليب تدبير ثرواتها الطبيعية.
و مما يثير القلق والاهتمام،  في آن واحد، بقضايا الشعوب الأصلية ما عرفه تاريخ البشرية من انتهاكات جسيمة، يتم اكتشافها والاعتراف بها كلما تقدمت الإجراءات المعززة لحقوقية الإنسان، وكلما تراجعت الأنظمة المستبدة المبنية على الحكم الفردي وعلى المقاربة الأمنية، على حساب التدبير الجماعي الذي تميزت به العديد من الشعوب الأصلية. و في هذا الصدد تميزت سنة 2021؛ أولا، باعتراف ألمانيا رسميا بالجرائم التي ارتكبتها، منذ أكثر من 100 سنة، ضد مجموعتي هيريرو وناما في ناميبيا، والتي تعتبر إبادة جماعية؛ وثانيا، بالكشف عن الجرائم التي ارتكبت ضد السكان الأصليين في كندا، عقب العثور على رفات أطفال في موقع مدرستين داخليتين كانتا تابعتين للكنيسة الكاثوليكية، مخصصتين لتدريس أطفال السكان الأصليين، في محاولة لفصلهم عن ثقافتهم ولغتهم الأصليتين. وقد بلغ عدد الرفات في الأولى 215 وفي الثانية 750، وما زالت الأبحاث جارية للكشف عن الجرائم التي ارتكبت ضد السكان الأصليين، كما أعترف وأمر بذلك رئيس الدولة نفسه. وتذكر الأبحاث أنه، حتى تسعينيات القرن الماضي، “وزع حوالي 150 ألف طفل قسرا على 139 مدرسة داخلية، وابعدوا عن ذويهم، وتعرض أغلبهم للإساءة والاستغلال الجنسي، وقضى أكثر من أربعة ألاف منهم في تلك المؤسسات. هذه الاكتشافات والاعترافات لا تشكل إلا الظاهر من جبل الجليد، الذي تتوارى تحته أبشع الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية. وتاريخ المغرب، الذي لطالما تعرض للتزوير والطمس، لا يخلو من هذه الجرائم التي طالت سكانه الأصليين.
ولأن المغرب يعتبر، في الأدبيات الأممية لحقوق الإنسان، واحد من أهم البلدان التسعين في العالم التي تتميز بوجود شعب أصلي؛ ولأن الشعب الأمازيغي عبر التاريخ، وعلى طول مساحة شمال أفريقيا، عرف تهافت القوى الاستعمارية على أراضيه واستغلال ثرواته وتفكيك بنياته الاجتماعية والاقتصادية، بكل الوسائل المدمرة للإنسان والطبيعة؛ كما هو حال ما عاشته بعض المناطق من استهداف بالأسلحة الكيماوية المحظورة دوليا، وخاصة في الريف المغربي؛ وهو ما لا يمثل سوى الجزء الظاهر من محاولة التدمير الشامل، التي عاشها السكان الأصليون، في خرق سافر لكل الأعراف والقوانين الدولية والقيم الإنسانية النبيلة؛ إضافة إلى ما تعرض له السكان الأمازيغ بالمغرب من تعريب، وإقصاء للغة والثقافة الأمازيغيتين، وتهجير واستغلال لثرواتهم الطبيعية.
لذلك، فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛ اعتمادا على مطالب الحركة الأمازيغية الديمقراطية المستقلة، والحركات الاحتجاجية ذات الصلة بالموضوع في المغرب وخارجه؛ واستنادا إلى تفاعلها الدائم مع التوصيات الصادرة عن هياكل وهيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ومع الاتفاقيات والتقارير التي أنجزها الخبراء الأمميون، ومنهم تقرير الخبيرة المستقلة في مجال الحقوق الثقافية، التي زارت المغرب  في سبتمبر 2011، وكذلك تقرير المقررة الخاصة بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، التي زارت بدورها المغرب في دجنبر 2018؛ تذكر بما يلي:
1- دعوتها الدولة المغربية إلى الالتزام بما يتم المصادقة عليه من الوثائق الأممية في مجال حقوق الإنسان، والعمل على تفعيل التوصيات الصادرة من مختلف المؤسسات الأممية ذات الصلة، باحترام والنهوض وحماية حقوق الإنسان كما هي معترف بها أمميا، وكما جاءت في ديباجة الدستور؛
2- تأكيدها على مطلبها الداعي إلى التخلي عن سياسة التماطل في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وإعادة النظر في القانون التنظيمي بما يستجيب لمطالب الحركة الحقوقية والامازيغية في المجال، وخاصة فيما يتعلق بالمراحل المعلنة في القانون رقم 16.26 حول تحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفية إدماجها في مجال التعليم وفي مجال الحياة العامة ذات الأولوية، في اتجاه تقليص المراحل المعبر عنها، وحذف المفاهيم الفضفاضة القابلة للتأويل، مع جعله ملزما لا اختياريا، للدولة حتى تقوم بواجبها في المجال؛
3- رفضها للطريقة التي تم بها تمرير القانون رقم 13/113 الخاص ب”الترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية”، والقوانين رقم 17.62 الخاص بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، ورقم 17.63 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية، ورقم 17.64 الخاص بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري؛ من حيث أنها استبعدت المعنيين من كل مشاورة أو استشارة، وتروم جعل وزارة الداخلية تتحكم في القرارات ذات الصلة بالموضوع…، وتعتبرها قوانين تستمد روحها من القوانين الاستعمارية، ومنافية لما تدعو إليه الأمم المتحدة، فيما يتعلق باحترام حق الشعوب الأصلية واختياراتها لنمط عيشها، وتندمج ضمن الإجراءات التي تسعى إلى استئصال السكان من أراضيهم؛
4- تذكيرها بمطالبها الخاصة بإعادة النظر في القوانين السالفة الذكر، بما يضمن حقوق السكان الأصليين في التمتع بثرواتهم المائية والغابوية والمعدنية، التي تتوفر عليها مناطقهم مع الحفاظ على البيئة، وبما يسمح بتنمية حقيقية ومستدامة وفي كل المجالات، وخاصة ما يتعلق بالشغل وبالصحة والتعليم والبنية التحتية والسكن اللائق؛ وتنتظر الرد على الرسالة التي وجهتها في الموضوع ، بمناسبة اليوم العالمي اليوم “للتنوع الثقافي من أجل الحوار و التنمية”، الذي يصادف 21 ماي من كل سنة، لكل من رئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين، ولرئيس الحكومة، ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، ووزير الداخلية ووزير الثقافة والشباب والرياضة. وتتساءل حول مصير هذه المراسلة وتندد بسياسة الأذان الصماء التي تتبعها السلطات ببلادنا؛
5- رفضها المستمر للطريقة التي يتم بها استباحة أراضي السكان الأصليين، في العديد من مناطق المغرب، من طرف بعض اللوبيات الخليجية التي تقوم باستغلالها خارج الضوابط القانونية، وخاصة فيما يرتبط بأنشطة القنص العشوائي والرعي الجائر وإنشاء محميات خاصة؛
6.  مطالبتها بضمان حق الساكنة الأصلية في الاستفادة من ثرواتها المعدنية والطبيعية والبحرية، بما يتيح تنمية مناطقها في كل المجالات وحماية بيئتها وصحتها وفرشتها المائية، وضمان أولويتها في الشغل في كل الأوراش والمناجم الواقعة فوق أو تحت أراضيها؛
7. مطالبتها بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، الخاصة بجبر الضرر للمناطق المشمولة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها منطقة الريف والأطلس المتوسط وباقي المناطق الأخرى، وتشديدها على اطلاق جميع معتقلي الرأي والحركات الاجتماعية وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف؛
8- دعوتها السلطات العمومية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات استعجالية، لتقديم المساعدات الضرورية لسكان البادية، للحد من آثار ومخلفات الجائحة، والنقص في الماء الصالح للشرب، والانتباه إلى معاناة سكان الجبال والمناطق الصحراوية مع قساوة الطبيعة.