آخر الأخبار

القصيدة اليتيمة

إدريس بوطور 

من اجمل عيون القصائد التي وصلتنا عبر تاريخ الأدب العربي ” القصيدة اليتيمة” ، وهي قصيدة غزلية بديعة ، وقد وصفت باليتم نظرا لمصرع صاحبها قبل التعرف على هويته ** ولهذه القصيدة قصة جرت أحداثها أواخر العصر الأموي او بداية العصر العباسي وبطلتها أميرة عربية في بلاد نجد تدعى “دعد ” جمعت الحسن والجمال والجاه والتفنن في قول الشعر ونقده ، وضعت لزواجها شرطا واحدا هو أن مهرها قصيدة غزلية تصف جمالها دون رؤيتها ** اشتدت المنافسة بين الشعراء المتوافدين على الأميرة ، وذاع خبرها ربوع بلاد العرب وكان في قبيلة تهامة شاعر مفلق نظم قصيدته ويمم صوب نجد للمثول أمام الأميرة وفي الطريق التقى شاعرا آخر قاصدا نفس المرام فقرأ كل واحد على الآخر قصيدته ليكتشف الشاعر الأخير أن قصيدة صاحبه إبن تهامة أجود بكثير من قصيدته فتحين الفرصة وقتله واستولى على الرق المتضمن للقصيدة وجاء بها إلى مجلس الأميرة “دعد ” وبعد قراءتها من طرف الشاعر القاتل اكتشفت الجريمة عندما سمعت أحد ابياتها يدل على موطن ناظمها ، ولم تكن لهجة ولكنة المنشد أمامها تهامية فهي تعرفها عز المعرفة ، فهمت على التو ما وقع ونادت على حراسها بعد ما اعترف بجريمته قائلة لهم ( هذا قاتل بعلي فاقتلوه ) وسأورد قبل ختم هذه التدوينة نماذج من أبيات القصيدة اليتيمة في الشعر العربي ( هل بالطلول لسائل رد ** أم هل لها بتكلم عهد ** لهفي على دعد وما خلقت ** إلا لطول تلهفي عهد ** بيضاء قد لبس الأديم أديم ** الحسن فهو لجلدها جلد ** فالوجه مثل الصبح مبيض ** والشعر مثل الليل مسود ** ضدان لما استجمعا حسنا ** والضد يظهر حسنه الضد ) وختاما فإن ما أرومه من هذه التدوينة هو التعريف بهذه القصيدة التي تعتبر منجما غزيرا بالمعاني والدلالات واللوحات والصور التعبيرية والبيانية التي تستحق الاطلاع عليها والاستمتاع ببديعها ، كما أروم كذلك التأكيد على مكانة المرأة العربية قبل الاسلام وبعده والتي لم تكن عنصرا سلبيا في المجتمع بل كانت عاملا فعالا وخلاقا فكان منها الشاعرة والخطيبة والناقدة والفارسة والمدافعة عن الحمى بل وكانت أساس كل تطور في المجتمع العربي.