آخر الأخبار

السنة السوداء

كانت سنة 1945 سنة سوداء لدى المغاربة حيث سميت في توثيق الذاكرة الجمعية بسنة الجوع أو عام الهيف أو “بوهيوف” . سنة 1945 النقطة التي أفاضت الكأس ، تفاعلت خلالها عدة عوامل في مقدمتها الانعكاسات الكارثية على المستوى المعيشي للمغاربة ، حيث استنزفت فرنسا سائر خيرات البلاد ومدخراتها الفلاحية وهربتها الى جبهات القتال ضد النازية في الحرب العالمية الثانية 1939/1944. ثم عامل الجفاف الذي ضرب البلاد وهجوم الجراد على ما تبقى من الاشجار المثمرة . وجاءت الضربة القاضية بظهور وباء الحمى الراجعة القاتل ، حيث أسفر تفاعل هذه العوامل الى هلاك زهاء 300 الف نسمة من المواطنين المغاربة خاصة بالوسط القروي ** عندما دخلت فرنسا الحرب العالمية الثانية كانت المحاصيل الفلاحية المغربية من حبوب وقطاني وثمار وفواكه وزيوت وعسل توجه بنسبة عالية الى فرنسا وجبهات القتال ، وفي المقابل ضيق الخناق على معيشة المواطنين المغاربة حيث قننتها وقلصت كمية المواد الغذائية حسب عدد أفراد الأسر ، وهو ما تم توثيقه بالذاكرة الجمعية الشعبية ب “البون” . هذا بالنسبة للسكان الحضريين أما بخصوص العالم القروي فقد تركته فرنسا يحارب المجاعة لوحده باستثناء ما كانت تتلقاه أسر المجندين من مواد غذائية مقننة في مقدمتها الشاي والسكر ، كانت محنة السكان القرويين مضاعفة :جفاف ووباء وجراد وتلوث الماء الشروب مما دفع هؤلاء السكان الى أكل جذور النباتات مثل “يرني” وبعض ثمار الاشجار كالبلوط والخروب وزهرة الدوم والاجاص البري . هذه الحياة البئيسة ساهمت في فتح باب النزوح القروي نحو المدن وولادة الاحياء الصفيحية بضواحيها ،فوجدتها فرنسا فرصة لاستغلال الرجال النازحين من القرى في البناء وتعبيد الطرق وتنفيذ المشاريع الشاقة بأجور بخيسة ** ورغم هطول الامطار في السنة الموالية فقد كان أثر المجاعة مستمرا وعميقا على تدهور صحة المغاربة بفعل انتشار الجثث ونفوق الماشية . وأمام هذا الوضع تعالت أصوات فرنسية حرة منددة بموقف السلطة الفرنسية من ترك المغاربة عرضة للأوبئة والمجاعة فكان هذا التنديد عاملا لحفز فرنسا الى تسطير برنامج للنهوض بالمجال الصحي في المغرب وتوسيع بناء المستشفيات في الحواضر والمستوصفات في الوسط القروي وتعميم التلقيح ضد الامراض المستشرية كالسل والجذري والحمى الراجعة ** مجمل القول فإن هذه التدوينة للذكرى والتاريخ حتى لا ننسى آباءنا وأجدادنا وما قاسوه وعانوه من أجل البقاء واستمرار الحياة.

إدريس بوطور

من طرف الأستاذ المبارك الكنوني / مراكش