آخر الأخبار

الإساءة والإحسان في حق من حكم مراكش-16-

استتباب الأمر لابن تاشفين
غير أنه وقع تغيير مفاجئ في السير العادي لدولة المرابطين بحيث وقعت بين قبائل المسلمين الموجودة في تخوم الصحراء في أدت إلى إسالة الدماء فيما بينهم فأصبح من المحكمة أن يذهب أبو بكر بن عمر بنفسه والوقوف على ما جرى ومعالجة الأوضاع ، بما تقتضية الحكمة والحنكة وما يستوجبه التبصر والخبرة ، حتى يتم جبر الخواطر وإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه من قبل ، وكان يدرك أبو بكر أن الأمر ليس بالهين وأنه قد يتطلب كثيرا من الوقت الشيء الذي جعله يفكر كثيرا في أمر امرأته وكيف يكون مصيرها من بعده ، فوصل إلى أن يتنازل عليها لصالح ابن عمه يوسف بعدما أيقن أنه لا يمكنه أن يصطحبها معه إلى تلك البلاد الصعية مسالكها والطويل طريقها ، وأن الموقف قد يتطلب الدخول في حروب مجهولة المصير فتمكن أخيرا من إقناع زينب بنت إسحاق النفزاوية أن تتزوج من الأمير يوسف بن تاشفين عندما تكمل عدتها وأوصى بها خيرا وهيأ جيشه وأخذ من المخزن كل ما يلزمه من معدات وأموال وأقوات وودع ابن عمه ومن بقي هنا من شيوخ القبائل وعلماء الدولة ووجهائها وصار نحو أقصى الجنوب اتجاه البراري الوعرة هن الأراضي التي تعرف اليوم بموريطانيا والسينغال ومالي وكان ذلك سنة 455 -1064 م ، وفي يوسف بن تاشفين طيلة هذه السنة يشرف بنفسه على الأعمال الضرورية والأساسية للنهوض بمستقبل العاصمة الجديدة كحفر الآبار ومد السواقي ، وهو من أشرف على غرس الآلاف من النخيل على ضفاف وادي تانسيفت وإسيل والتي لا تزال شامخة الآن بالرغم مما تعرضت إليه من قلع وإتلاف على يد مسؤولين في السلطة والحكم وأحلوا مكانها تجنات سكية وملاعب للكولف .
ظل الأمير يوسف بمراكش حتى أيقن أن الأمور استقرت وهدأت فأراد أن يثبت لجميع الناس أنه هو الأمير والحاكم لجميع البلاد . فحين دخلت سنة 456 مر -1065 م خرج بجيش عظيم قوامه أكثر من عشرين ألف مقاتل ، وقد صحب معه حفظة القرآن الكريم والأئمة وبعض الفقهاء في الشأن الديني وكان الاتجاه صوب مدينة فاس وفي طريقه إليها كان كلما وجد مجمعا سكنيا نصب عليه من يحكم باسم دولة المرابطين وتوك فيهم من يحفظهم القران ويعلمهم شؤون دينهم كما نصب بعض القضاة في المواضع الأهلة بالسكان وسارت مسيرته بسلام حتى وصل ضواحي مدينة فاس حيث برزت إليه قبائل ترفض الدخول تحت حكمه وأبدت استعدادا لمحاربته وهذه القبائل هي : أزواغة ، ولماية ولواتة ، وصدينة ، وسدراتة ، ومغيلة ، وبهولة ، وغيرها وكانت هذه القبائل مدججة بالأسلحة المختلفة فهاجمهم يوسف بجيشه ودارت بينهم وبينه معارك طاحنة أدت في النهاية إلى انهزامهم وكسر شوكتهم واستسلام ما تبقى منهم ، وطلبوا العفو والصلح ودخلوا تحت حكمه . وكانت آنذاك مدينة فاس تحت حكم بكار بن إبراهيم المغراوي الذي قبض عليه ثم قتل . وعين عاملا جديدا على فاس من قبيلة لمتونة . كما أبعد عن الحكم كل من كان ينتمي إلى مغراوة ونصب مكانه لمتونيا .