آخر الأخبار

مسؤولية الكلمة

محمد خلوقي 

الكلمة لها سحر خاص ، وتاثير قوي في النفس والعقل ، فكلمةقد تعلي واخرى قد تدمي .
وكلمة تشفي وتحيي، واخرى قد تميت وتُفني ، فاختر كلماتك بعناية فيها القدر الاكبر من الجمال والاناقة ، التي قد تفوق طريقة اختيارك وانتقائك لملابسك وروائحك وطعامك .
الكلمة قبل ان تكون مسؤولية ، وأمانة ، فهي وعاء ووسيلة ، تتوقف عليها درجة ابلاغك وبلوغك اهداف الرسالة ومحتواها ،
فان كان المضمون شريفا والكلمة منحطة ، ما بلغت المقصود ولابلغته .
وان كان المضمون خسيسا والكلمة أخس منه ما حققت الا البشاعة بكل صورها .
وان كان المضمون باهتا او ضعيفا ، والكلمة قوية ومنيرة ، استطعت بها على الاقل ان تجلي المضمون ، وان تقربه وتوضحه الى المتلقي .
واما ان اجتمع لك المضمون الشريف ، الرفيع ، مع الكلمة العفيفة والنقية والعالية ، فقد تبلغ بها مقام الانبياء والادباء والحكماء والبلغاء ، وتحقق بها تاثيرا يعجز الحكي والوصف ان يلم بتفاصيل سحرها ،ولذتها ،و قوة تاثيرها، في عقل ،ووجدان المتلقي .
فكثير من المناوشات والاختلافات والتطاحنات والصراعات ، هي بسبب سوء استخدام الكلمة في غير مواضعها ومواطنها الصحيحة ، فينتج عنها الفعل ورد الفعل ، وتتداخل حينها التاويلات ، وتنشط التبريرات ، واحيانا تُصم الاذان عن سماع التفسيرات والتبريرات ، وتَحل محلها الحروب والتطاحنات نتيجة غياب استخدام تلك الكلمة الرقيقة ، الرشيقة ، الانيقة ، القادرة على تجنب من مثل هذه المواقف .
الكلمة الطيبة ، لا ياتي من ورائها الا الخير والنفع الوفير لانها تسر السمع ، والقلب وتريح النفس من همِّها وقلَقِها ، ولهذا فمن تجليات الرحمة والتراحم هي تلك الكلمة الرقيقة التي ينتقيها الشخص فتصير كمفتاح لغوي ونفسي ووجداني جد مهم ، به يفتح ويدخل روضة الرحمة والتراحم ، فبتلك الكلمة الطيبة ، وبمفردات التسامح ، والتجاوز ،والصفح الجميل ،وبشحنة الحب المتطاير من رنات حروف التراحم، نصل جميعا الى قلوب بعضنا البعض، وكذلك الامر نفسه مع مفردات التواضع ، فلو استعملتَ كلمة موخزة فيها شرارة التعالي والكبر ، فلن يشعر الاخر بتواضعك ، وبالتالي قد يكون ذلك سببا في تباعدكما او صراعكما ..
وكذلك هو الامر نفسه في مجال التربية والتنشئة والتعليم ، فلابد ان يكون فيه المرء حريصا على :حسن اختيار الكلمة الانيقة، والعبارة الرشيقة، و اللغة الجميلة ، وان يبتعد عن لسان الغلظة ،والفظاظة والخشوتة ، ومعجم التجريح ، والتلميح ، لان ذلك لا يزيد القلوب الا تنافرا ، والعقول الا تباعدا ،
ولنقرأ ونتدبر أمره تعالى الى موسى واخيه هارون ، موجها، وموضحا ،وواصفا لهما نوع الكلمة التى يجب توظيفها في مخاطبة فرعون الكافر
(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) سورة طه اية 44.
سبحان الله ، العليم الحكيم ، يربي فينا من خلال هذا الموقف كيفية التعامل مع الضال المشرك ، فكيف يكون الحال مع الاخ المؤمن ؟؟!!
بل ان الله وصف الكلمة الطيبة بشجرة مباركة ويقارنها بالكلمة الخبيثة التي لا اصل لها ، قال تعالى في محكم كتابه من سورة ابراهيم الايات 26/25/24:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) ﴾
نعم ان لسان َالرقة ليس كلسان القسوة ، ولسان َالمُجاملةليس كلسان المُداهمة، وكم من قول جرَّ على صاحبه النقمة، بسبب سوء تقديره للمقامات ، او بسبب ضعف في التقدير ، وتهور في التغبير ، والعكس صحيح ، وساختم المقال بحكاية تعضد وتقوي ما ذهبت اليه .
فيحكى ان ملكا كان يستيقظ كل ليلة على حلم مرُعب ومُفزع ، بحيث يرى كل أسنانه الامامية قد تكسرت ، ويشعر بالم كبير وهو ينزعها من جدورها . فأتى بأحد المفسرين للأحلام ، وقص عليه ما رأى في منامه ، فقال له المفسر : أمتأكد أنت أيها الملك مما رأيت ؟؟
فأجابه الملك : نعم.
فرد عليه المفسر وقال :
الأمر مؤلم يا مولاي ، وهذا معناه أن جميع أهلك سوف يموتون أمامك .
حينها تغير وجه الملك ، وغضب على الفور وأمر على الحال بسجن المُفسِّر.
ثم امر باحضار مُفسِّر آخر ، ففال للملك نفس التأويل ، فتعرض هو الاخر لنفس العقوبة الحبسية.
وهكذا استمر الملك على حاله وقلقه الى ان جاءه مفسر ثالث ، وحكى له حُلمَهُ ، فقال له المُفسِّر :
– مبارك أيها الملك.
– فقال له الملك :مبارك على ماذا؟؟
قال له : أنك ستكون ، ايها الملك العزيز ، أطول أهلك عمرًا.
فقال له الملك وهو مستغرب :
أمتأكد مما تقول !!.
فرد المفسر :نعم متأكد تمامًا .
ففرح الملك فرحًا شديدًا ، وقدم له هدية ثمينة ، وأكرمه وأجزل له العطاء.
نستنتج من الحكاية ان المُفسِّر الاخير ، أشار الى نفس النتيجة التي ذكرها من هم قبله من المفسرين ، وهي ان أهل الملك سيموتون قبله، لان من طال عمره، حتما، سيفقد من هم اقل عمرا منه . ولكنه قدم التأويل بذكاء ودهاء، استحضر فيه مقام الخطاب ومخرجات الكلام .
فتلك الحكاية تعطي معنى لكيفية تفسير الأمور وتوضحها للآخرين ؛بأسلوب جميل يقع عليهم وقعًا هادئًا ، بحيث يستطيعون استيعابه حتى وإن كانت أمورًا سيئة.
نعم ان الكلمة امانة ومسؤولية، تترتب عنها نتائج مختلفة ، ولهذا تستوجب على الناطق العاقل ان يعي تاثيرها ، ويقدر وقعها في النفس والعقل .
✍️بقلم. محمد خلوقي