آخر الأخبار

حركة 20 فبراير” أرقى حركة سياسية جماهيرية…لكن …

ع.الغني القباج

نشأت موجة الاحتجاج الشعبي لـ”حركة 20 فبراير”، كأرقى حركة سياسية اجتماعية جماهيرية عرفها المغرب الحديث عمت جميع مناطق المغرب، في زمن سياسي مغربي عرف النضال الديمقراطي واليساري الراديكالي تراجعا ملحوظا و بسلطوية وانغلاق النظام السياسي وقمعه لأصوات تعارض استفراده بالقرار السياسي ومحاولات سيطرته على المجتمع برب علاقات مع بعض اليساريين واليساريات وإغرائهم بوظائف عليا وبإرشاء إطارات مدنية بسلطة المال و”المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”. كما نشات الحركة، كذلك، في زمن تبعية النظام السياسي المغربي السياسية والاقتصادية الشاملة للرأسمالية الإمبريالية المعولمة في زمن لا زالت الرأسمالية تعاني مضاعفات أزمتها المالية والاقتصادية التي تفجرت سنة 2008، وفي زمن كشفت هذه الإمبريالية عن طبيعتها العدوانية وتدخلها العسكري السافر في بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا أمريكا الجنوبية، وأوروبا الشرقية.

ونشأت “حركة 20 فبراير”، كذلك، في زمن سياسي مغربي عرف صعود التطرف اليميني الإسلاموي، بالنظر إلى تغييب ديمقراطية حقيقية، ونتيجةً عدم ممارسة قوى يسارية، إيديولوجيا وسياسيا، الصراع السياسي كصراع طبقي وصراع مصالح طبقية، وفق خط سياسي لثورة ديمقراطية راديكالية. فجل قوى اليسار المغربي تخلت عن استراتيجية البديل الديمقراطي الراديكالي زعن الصراع من أجل السلطة وعن صيرورة التغيير الراديكالي الهادف إلى الانتقال للمجتمع الاشتراكي نقيض الرأسمالية، كما تخلت عن تصور وموقف ديمقراطي راديكالي مناهض لطبيعة النظام السياسي المخزني التبعي.

ففي زمن سياسي ِسِمَتُهُ السياسية هو نهوض نضالي واحتجاجي جماهيري عفوي، لم تكنْ فيه، بالتالي، جل القوى اليسارية الاشتراكية الراديكالية ُمَهيَّأة ومؤهلة نظريا وسياسيا وتنظيميا وممارسةً لقيادة ثورة ديمقراطية راديكالية لأنها غير مرتبطة بالطبقات الاجتماعية الشعبية الكادحة (عمال وعاملات، فلاحين فقراء وأجراء كادحين محدودي الدخل..)، التي لها مصلحة في تغيير ميزان القوى لصالح الثورة الديمقراطية الراديكالية.

“حركة 20 فبراير” أرقى حركة سياسية جماهيرية… لكن…

جرى تخاذل النقابات المغربية التي ينشط فيها اليساريون واليساريات

في وضع سياسي حدثه الأساسي هو انتفاضة جماهير”حركة 20 فبراير” التي استمرت لمدة شهور من 20 فبراير إلى انتخابات 25 نوفمبر 2011 تاريخ الانتخايات البرلملنية، لا بد من تسجيل تخاذل أهم قيادات المركزيات النقابية، وخصوصا “الاتحاد المغربي للشغل” (ا.م.ش) و”الكنفدرالية الديمقراطية للشغل” (ك.د.ش)، إذ لم تتخذ هذه النقابات ولم تمارس موقف المشاركة في نضال جماهير الشعب المغربي في إطار “حركة 20 فبراير”، واتخذت موقف عزل البروليتاريا، أهم قوة منظمة في النقابات تأثير حاسم في الصراع السياسي والطبقي عموما بالنظر لقدرتها على إيقاف مسلسل الإنتاج الرأسمالي التبعي وتغيير ميزان القوى لصالح ثورة ديمقراطية راديكالية. وبالتالي، تم عزل نضال العمال والعاملات المنظمين نقابيا عن نضال “حركة 20 فبراير”. وفضلت هذه القيادات النقابية الموافقة على “اتفاق 26 أبريل 2011” الذي كان “هدية” ملغومة وانتهازية قدمها لها النظام السياسي لعزلها عن نضال قوي خاضته جماهير “حركة 20 فبراير”، وانخرطت المركزيتان النقابيتان في “آلية مواكبة” شكلية لعمل “لجنة دستور2011”. وبالتالي، شكل عزل البروليتاريا عن الانخراط في نضالات “حركة 20 فبراير” أحد أهم العوامل التي أدت، بشكل كبير، إلى عجز الحركة عن تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي متماسك يتجاوز تناقضات القوى الديمقراطية واليسارية الراديكالية.

أما قوى اليسار الديمقراطي الراديكالي التي شاركت في نضال “حركة 20 فبراير” فإنها لم تستطع تجاوز تناقضاتها حول طبيعة وشكل النظام الديمقراطي المنشود وبالتالي، لم تستطع بلورة تصور وبرنامج موحد وممارسة نضالية موحدة لفرض تغيير ديمقراطي راديكالي ورسم خطة سياسية وممارسة جديدة موحدة لتحريض جماهير “حركة 20 فبراير” ولتعميق وعيها السياسي الديمقراطي الثوري عبر أشكال تنظيمية جديدة مندمجة قي واقع هذه الجماهير لتأهيلها كي تُفْرِزَ قيادتها السياسية الثورية من صلبها، وتوحيد وتجديد ممارستها النضالية.

“حركة 20 فبراير” أرقى حركة سياسية جماهيرية… لكن… تنظيم انتخابات 25 نوفمبر 2011 كان إجراء سياسيا مناهضا لتصور “حركة 20 فبراير”.

تم تسريع إجراء انتخابات 25 نوفمبر 2011، لتكرس مد النكوص السياسي الذي فرضه النظام السياسي بصعود وتوسع قوى الإيديولوجية الإسلامية وحركة السلفية، وتعميق شعبوية المجتمع وتفاهة السياسة، بالنظر لحصول التقاء مصالح سياسية ومادية ظرفية وحصول تحالف ضمني بين السلطة المخزنية و”حزب العدالة والتنمية” الإسلاموي، الذي كان مسنودا بسلفيي الشيخ المغراوي، وغيرهم من جماعات إسلاموية. تشبث هذا الحزب الإسلاموي بالمكشوف وبإصرار بمناهضة نضال جماهير “حركة 20 فبراير” وبثوابت نظام المخزن التبعي. لذلك، تمكنت السلطة السياسية من تمرير خطتها السياسية المتمثلة في تغيير شكلي لدستور 2011 الذي أْبقـى السلطة السياسية والدينية حكرا على المؤسسة الملكية، وكرس “الإسلام دين الدولة” وفرض إمارة المؤمنين والبيعة، ولم يحدث تغييرا جوهريا في طبيعة النظام السياسي، إذ استمرت المؤسسة الملكية تحتكر القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي عبر مجلس الوزراء الذي شكل القرار السياسي كإرادة ملكية. وبالتالي، استمرت السلطة الملكية تحتكر السلطة والمبادرة، بعد تراجع نضال “حركة 20 فبراير”، لتستمر طبيعة النظام السياسي استبدادية وتحتكر القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. المآل الذي انتهت إليه”حركة 20 فبراير” وَضَّحَ مرة أخرى أن “الإصلاح” السياسي من فوق بتغيير الدستور ليس سوى وهما سياسيا لم يُنْتج سوى الحفاظ على “ديمقراطية” صورية، ووضَّح، كذلك، أن إقرار هذا الدستور لم يكن سوى إجهاضا لتغيير ديمقراطي حقيقي منشود رغم تغيير موازين القوى لصالح التغيير الديمقراطي بالنظر للنهوض الجماهيري لـ”حركة 20 فبراير” لمدة شهور.

وبالتالي، ساهم انتشار الأفكار الماضوية للنظام السياسي ولتيارات إسلاموية، بدءاً بإمارة المؤمنين، ووزارة الأوقاف، والمجلس الإسلامي الرسمي تحت يافطة “المجلس العلمي الأعلى” و”حزب العدالة والتنمية” و”حركة المغراوي ” و”جماعة العدل واإلحسان” وأضرحة الصلاح والزوايا الإسلامية، كل هذه المؤسسات ساهمت في استلاب وعي فئات عريضة من جماهير الشعب المغربي، وأوْهَمَتهَا بأن حل المعضلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ومناهضة الفساد والاستبداد، واستقرار البالد يكمن في التشبث بالسلف الاسلامي الصالح الذي يمثله النظام الملكي واستمرار سلطة إمارة المؤمنين. وساهمت في هذا الاستلاب “جماعة العدل والإحسان” بممارستها الفئوية، وبسياسة انتهازية داخل “حركة 20 فبراير” مراهنة أن تطور نضال الحركة قد يحقق شروط ما تسميه بـ”القومة”. لكن لما أدركت “الجماعة” أن “حركة 20 فبراير” لن تـتـطور وفق منظورها، وأن الحركة أصبحت تشكل خطرا على تماسك تنظيمات والأفكار المغلقة لشباب “الجماعة”، وحصول “حزب العدالة والتنمية”، الإسلامي، على المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، وتعيين أمينه العام رئيسا للحكومة، أعلنت الجماعة بيانَ انسحابها من نضال “حركة 20 فبراير”.

ومع ذلك، كانت “حركة 20 فبراير” أرقى حركة سياسية جماهيرية… لأن الجماهير الشعبية شاركت بتلقائية، في مظاهراتها يوم 20 فبراير 2011 التي شملت أكثر من 90 مدينة كبيرة وصغيرة.

لقد أظهرت المشاركة الكبيرة والقوية للجماهير الشعبية في نضال “حركة 20 فبراير” أن الشرط الموضوعي للتغيير الديمقراطي الراديكالي أصبح متوفرا نسبيا، وهيمن طيف التغيير الراديكالي بعد نجاح اليوم الأول في مسيرة الحركة.

ورغم أن القوى اليسارية الراديكالية فقد شكلت مساء يوم 20 فبراير 2011 في الرباط بمقر “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” “لجنة وطنية لدعم حركة 20 فبراير” فإنها لم تستطع التحول إلى قيادة وطنية لانتفاضة “حركة 20 فبراير” للدفع بصيرورة نضالها كي يتحول إلى ثورة ديمقراطية.

لكن…

سيغيب عن أغلب شباب “حركة 20 فبراير” الخط السياسي الديمقراطي الراديكالي والبرنامج السياسي والأهداف الواضحة.

لم يهتم الشباب، وفق وضوح سياسي، بضرورة ممارسة حد أدنى لتنظيم الجماهير المشاركة تنظيما محكما وواعيا سياسيا، ولم يهتم فعليا بضرورة تنظيمها في لجان الأحياء. كما لم يهتم شباب ونشطاء وناشطات “حركة 20 فبراير”، بما فيهم المنتمون منهم لأحزاب اليسار الراديكالي، بضرورة فرز، قيادة وطنية ديمقراطية من صلب حركة الجماهير.

لكن…

المجموعات الشبابية وعفويتها وتعدد أرضياتها لم يساهم في وحدة وتصليب تنظيم تطوير “حركة 02 فبراير” بديمقراطية جموعاتها العاملة المباشرة…

الشباب الذي نادى الجماهير للتظاهر في الشارع، كان أكثر عفوية وأقل سياسة وتنظيرا وتنظيما. كان طبيعيا وموضوعيا أن تتعدد أرضياتهم وأفكارهم ومبادراتهم للتظاهر والخروج للشارع وتظهر تناقضات داخل “حركة 20 فبراير”. فأغلب الشباب ليس لهم خبرة ولا تجربة نضالية ميدانية ولا رؤية سياسية واضحة تكتيكية وبعيدة المدى في واقع صراع طبقي اجتماعي وسياسي مفتوح ومعقد.

إعاقات “حركة 20 فبراير”

عانى نضال “حركة 20 فبراير”، كما سلف الذكر، من غياب قيادة وطنية ٍومن مشروع نظام سياسي مجتمعي ديمقراطي واضح ومن ثقافة العفوية ومن الزعاماتية، ومن تخاذل أغلب مثقفي ومثقفات الخطاب الديمقراطي والتقدمي. وافتقدت، بالتالي، “حركة 20 فبراير” شروط حركة واعية، منظمة، واضحة الأهداف توحدهم، كما افتقدت لقيادة وطنية وبرنامج عملي وممارسة سياسية موحدة نوعية لتحقيق أهداف نظام سياسي مجتمعي ديمقراطي نشأت الحركة من أجله. ودخلت الحركة، بالتالي، مرحلة وصيرورة تلاشيها ونهايتها. إن الرؤية الملتبسة التي عانت منها “حركة 20 فبراير” أفضت إلى رفع شعارات سياسية غير منسجمة، وأحيانا متناقضة، فاختلطت شعارات سياسية ديمقراطية استراتيجية بشعارات اجتماعية تكتيكية، بشعارات دينية، بشعارات ثورية، بشعارات العنف الثوري.

نماذج من الشعارات التي تبلورت خلال نضال ومظاهرات “حركة 20 فبراير “:

*شعارات سياسية:

“الشعب يريد إسقاط الاستبداد”، “الشعب يريد إسقاط الفساد”، “الشعب يريد إسقاط النظام”.

*شعارات اجتماعية واقتصادية ومُنَاهِضَة للفساد:

“هذا مغرب الله كريم * لا صحة لا تعليم”

“كيف تعيش يا مسكين * المعيشة دارت جنحين”

“الفوسفات أو جوج بحورا * عايشين عيشة مقهورة”

“شحال شحال سْرَقْـتـُو * واش باقي ما شْبَعْـتُـو”

“أسفي عامر فوسفاط * وَ وْلادُو تحت السباط”

الفوسفات أو جوج بحورا * والحالة حالة مقهورة

“الله عليك يا مغرب * الحالة هي هي، الأطفال فالشوارع * الموتى فالقوارب”

“لا للجمع بين السلطة والثروة”

“لا حقوق لا قوانين * باش حنا مواطنين؟”

“حركة العشرين تنصر للفقير والمسكين”

“لا للغلاء.. لا لارتفاع الأسعار”

“علاش جينا أو احتَجينا … الضو والما غالي علينا”

* شعارات المساواة بين الرجل والمرأة:

“المرأة إنسان ماشي سلعة”.. “الكرامة للنساء، لا تمييز لا إقصاء”

“النساء والرجال * فالحقوق بحال بحال”

*شعارات حقوق الإنسان والحريات:

“مغاربة فكل مكان * كرامتهم ما تَتْهَان”

“حرية.. كرامة. عدالة اجتماعية”

“حقوقي حقوقي دم في عروقي * لن أنساها ولو أعدموني”

“لا حقوق لا قوانين * باش حنا مواطنين”

“يا مخزن يا جبان * شعب المغرب لا يُهَان”

“التظاهر حق مشروع * والمخزن مالو مخلوع”

“المخزن العبقري.. شحال مقدم وقاري * كَـيْعَالجْ الأزمات بالزرواطة أولعْتِقالات”

* شعارات العنف الثوري:

“ما في خوف ما في خوف * جماهير كالشينكوف”

“غاتشعل غاتشعل.. هي نار الجماهير * نار قوية غاتشعل”

“شعب المغرب سير سير * نحو النصر والتحرير”

*شعارات إسلامية:

“خيبر خيبر يا يهود * جيش محمد سيعود”

” الإسلام أو الطوفان”

“لا إله إلا الله * محمد رسول الله * والمخزن عدو الله”

* بعض شعارات أمازيغية

إضافة إلى شعارات تطالب بدسترة الأمازيغية كلغة رسمية

“وا عشرين كمي د ميت أرا يمون”: حركة عشرين فبراير، من سيناضل

معك؟.

“وا عشرين كمي د يان إفولكين”: حركة عشرين فبراير، سيناضل معك أخيار

هذا الشعب .

“وا أيت عشرين أ نكا” : نحن حركة عشرين فبراير

“أور كيكنغ تاودا ك” : لا نخاف إلا من خالقنا”

ومع ذلك زرعت “حركة 20 فبراير” في الواقع وعيا جماهيريا جديدا حرر عقل جماهير شعبية من الخضوع للسلطوية وأكسبها حسا نقديا للواقع الاجتماعي والسياسي والحزبي السائد في المغرب .. وفتحت آفاقا نضالية جديدة لم تستخلص دروسها الأحزاب السياسية الديمقراطية اليسارية ونقابتي ك.د.س وا.م.ش، والتي عادت إلى روتين العمل السياسي السائد …