آخر الأخبار

هشام جعيط و عبد الله العروي

في حماة الصراع الذي شدنا مؤخرا، نظرا لما يكتسيه من اهمية بالنسبة لحاضر و مستقبل وطننا، فاتنا ان نعطي لرحيل احدى القمم الفكرية التونسية والمغاربية و العربية هشام جعيط ما يستحق من اهتمام.
يقارن هشام جعيط عادة بعبدالله العروي مغربيا، لا نهما معا مؤرخين ومفكرين من عيار خاص ونادر في صحراء الفكر والبحث العلمي العربية، و لانهما مؤثرين في بلديهما وفي العالم العربي وخارجه وصاحبي مدرستين فكريتين تميزتا بالجراة في طرح الاسئلة و اقتحام المسكوت عليه في ثقافة حصرت نفسها لزمن طويل في الدائرة الضيقة و امعنت في التكرار والعنعنة والاغراق في الثرات بحثا عن بلسم لجرح هوياتي غائر لم يندمل الى الان، و لانهما ايضا ناقشا الاستعمار والغرب وردا على نظرته النمطية و احكامه الجاهزة والمسكونة بخلفيات موروثة هي ايضا من ثرات وتاريخ وذاكرة غربية لم تحررها العلمانية نهائيا فيما يتعلق بالنظرة الى الاخر.
لكن هناك فروق كبيرة بين المفكرين في امور عديدة، اذ ان العروي مال دائما الى عدم الاغراق في دراسة الثرات الاسلامي، وذلك سر تناقضه مع المرحوم محمد عابد الجابري، لانه لايرى فائدة من ذلك بالنسبة للحاضر والمستقبل، بينما اتجه هشام جعيط الى دراسة وتفكيك ذلك الثرات، او جزء منه يهم المؤرخ، و انجز ابحاثا حول السيرة النبوية و الفتنة الكبرى وغيرها باعمال الشك الديكارتي، مكملا بذلك ما بداه ولم يكمله طه حسين،و مناهج البحث الحديثة لتفنيد كثير من الروايات التي خلفتها الهيستوغرافيا العربية والاسلامية وكان خلال ذلك اقرب الى المفكر الايراني الاوزبكي داريوش شايغان الذي اشتغل على ازمات الهوية التي لا تخف الا لتستعير في عالم اسلامي يجد صعوبة كبيرة في التكيف مع الحداثة وفي استيعاب مكاسبها.
لا بد من الاشارة الى ان هشام جعيط استطاع خلق مدرسة بحثية في تونس تتسم بجراتها بينما لم يتمكن العروي من ذلك في المغرب.