آخر الأخبار

مفهوم الأمية و علاقتها بالنبي – 8 –

عبد الله المعاوي 

ما علاقة نعت الأمي بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم
أطلق لفظ الأمي بشكل مباشر على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كنعت في موضعين من القرآن الكريم :
في قوله تعالى في سورة الأعراف : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في الثورات والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليه الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. الآية (157).
وفي قوله تعالى في نفس السورة :
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض ، لا إله إلا هو ، يحي ويميت ، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ، واتبعوه
لعلكم تهتدون . الآية (158).
كما جاء هذا النعت في الإطلاق الشامل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى في
سورة الجمعة : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين .الآية (2).
فما هو سر إطلاق هذا اللفظ الذي يحمل معنى يعود إلى عصر الجاهلية في القرآن الكريم على محمد عليه الصلاة والسلام وهو – كما نعلم – خاتم الأنبياء والمرسلين وخاصة بعد بداية نزول القرآن الكريم ؟
إننا نعتمد في تبرير هذا الإطلاق عليه صلى الله عليه وسلم على المعطيات التالية :
1 أن نسبة اللفظ أساسا إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو واحد منها كان نتيجة الواقع الاجتماعي الديني الذي عاشته الأمة العربية في ما أطلق عليه بالعصر الجاهلي .وكان واقعا مميزا لهذه الأمة عن أمم كانت تتميز بممارسة أديان سماوية كتابية كالدين اليهودي والدين النصراني والتي كانت فارضة نفسها في المحيط الذي تعايش مرة مع الواقع العربي في شبه الجزيرة العربية . ودخل معه في صراع مرات أخر.
2 إن هذا اللفظ بقدر ما كان منطقيا مع المرحلة التاريخية الذي ظهر فيه الإسلام كدين كتابي فإن نزول هذا الكتاب كان على طول ثلاثة وعشرين سنة وأن هذا الكتاب لم يتوقف نزول سوره وآياته إلا بزمن قصير من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فيكفي هذان العاملان أن يبررا استمرار إطلاق هذا اللفظ كنعت للأمة ونبيها والذي ستنتهي مشروعية حمله من طرفهما بعد تمام نزول القرآن الكريم .
3 العامل الأساسي في الإطلاق هو سمة اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم. فكما يعلم الجميع أن اللغة العربية هي لغة البيان .ومن المؤكد حتما أن القرآن الكريم هو قمة التعبير البلاغي والنموذج الأسمى للبيان العربي . ولا أحد يشك في أن النص القرآني الذي أصبح مصدرا للبيان العربي هو معجزة إلهية كانت في جانب الدفاع عن الرسالة المحمدية أمام الهيمنة الأدبية التي كانت تعتبر هي ميزة للتفوق العربي في مجال الخطابة والشعر.
من هذا المنطلق ألإعجازي يمكن تبرير إطلاق لفظ الأمي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
إنه إطلاق مجازي يدخل في باب البيان . وبالضبط في ما أسماه البلاغيون بالمجاز المرسل . والمجاز المرسل كما عرفه البلاغيون هو إطلاق اللفظ في غيرمعناه الحقيقي لعلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى الجديد هي غير المشابهة . والعلاقة هنا هي اعتبار ما كان. فإطلاق لفظ الأمي عليه الصلاة والسلام هو باعتبار ما كان قبل نزول القرآن الكريم .وقد ورد مثل هذا الإطلاق في القرآن الكريم أكثر من مرة .
قال تعالى في سورة النساء :
وآتوا اليتامى أموالهم ، ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ، ولا تاكلوا أموالهم إلى أموالكم ، إنه كان حوبا كبيرا .( الآية 2 ).وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ، ذلك أدنى أن لا تعولوا . الآية ( 3 ) . وآتو النساء صدقاتهن نحلة ، فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه ، هنيئا مريئا . الآية ( 4 ).
فاليتيم في اللغة هو الطفل الذي فقد والده والأمر هنا صادر من الله لإرجاع الأموال الموصى عليها لصاحبها الذي أصبح راشدا . لكن أطلق عليه سبحانه تعالى اسم اليتيم باعتبار ما كان عليه قبل الرشد .
وهو نفس المعنى الذي أتى به سبحانه وتعالى في اليتامى البالغات سن الزواج ، فأطلق عليهن يتامى باعتبار ما كن عليه قبل بلوغ سن الزواج . وقد جاء هذا اللفظ واضحا في قوله تعالى من نفس السورة :
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النساء قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ فِي الكتاب فِي يَتَامَى النساء اللاتي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ . الآية 126 .
إن المرأة الواردة في الآية الكريمة لم تعد طفلة يتيمة بل بلغت سن الزواج وأطلق سبحانه تعالى لفظ يتامى النساء باعتبار ما كنا عليه .
فكذلك أطلق الله سبحانه وتعالى في كتابه لفظ الأمي على نبيه محمد باعتبار ما كان عليه وأمته قبل نزول القرآن الكريم . وكما نعلم في باب البيان العربي الذي نزل القرآن بلسانه أن علاقات غير المشابهة ، كثيرة ومتعددة . منها علاقة اعتبار ما كان ، وهو ما جاء في الآيات الكريمات المذكورة واعتبار ما يكون ، مثل ما جاء في سورة يوسف عليه السلام في قوله تعالى :
ودخل معه السجن فتيان ، قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا، وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تاكل الطير منه ،نبئنا بتاويله إنا نراك من المحسنين . الآية (36).
إن إطلاق لفظ الخمر هنا جاء مجازا للفظ العنب الذي سيصير خمرا لعلاقة غير المشابهة وهي اعتبار ما سيكون عليه العنب بعد عصره .
وهناك العلاقة الجزئية ، والكلية ، والحالية ، والمحلية .. وغيرها من علاقات غير المشابهة مما يدخل في باب ما أسماه البلاغيون العرب بالمجاز المرسل.