آخر الأخبار

مفهوم الأمية و علاقتها بالنبي – 11 –

عبد الله المعاوي 

الفرحة الكبرى

وأخيرا انتفى الدنس – على حد التعبير الدرامي الإغريقي – وتخلص الإنسان العربي من لعنة لازمته طيلة قرون بين المجتمعات الإنسانية ورافقته رغم المكانة الحضارية التي كان يتميز بها . ورغم المكانة السياسية التي حافظ بها عن استقلال أرضه وهو يواجه طمع القوتين العظميتين في تاريخ البشرية فارس وروما . قوة لم تستطع خرق قلب الجزيرة العربية الذي سيشهد انبعاث نبي عظيم اسمه محمد عليه الصلاة والسلام . وسيشهد نزول كتاب أعظم يحمل اسم القرآن الكريم .فتجاوزت الأمة العربية بهذا النزول عقدتها بين الأمم التي فاخرتها بالكتب السماوية ، كالأمة النصرانية والأمة اليهودية . لقد انتصرت الأمة العربية بهذا على الوحش . وحققت المدينة مجدها الروحي وهو المجد الذي ابتدأ بنزول القرآن الكريم في مكة المكرمة والذي استمر بناؤه على طول ثلاثة وعشرين سنة . ولم يبقى من معنى الأمية غير لفظها الذي كان . وتحققت فرحة الأمة العربية بكتابها العزيز . وستكبر فرحتها عندما يصبح هذا الكتاب كتاب البشرية كافة وينتشر في جميع أصقاع المعمور بانتشار الدين الإسلامي الذي سيحمل فخره وفخر الأمة العربية . فخر يستمد أهميته من اختيار الله سبحانه وتعالى للغة العربية لغة تواصل بينه سبحانه وتعالى وبين الناس كافة .
قال تعالى في سورة الرعد:
والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ، ومن الأحزاب من ينكر بعضه ، قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ، إليه أدو وإليه متاب . الآية ( 37 ).
لقد نزل القرآن الكريم بلغة عربية ليزيد من قوة اعتزاز هذه الأمة بمكانتها الحضارية بين الأمم . شموخ سينسحب كذلك على معمارها اللساني الذي تفتخر به بين الأمم في مجال الخطابة والشعر . شموخ سيزداد باختيار الله سبحانه وتعالى للغة العربية لسانا لخاتم كتبه. واختيار النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم ليكون آخر أنبيائه ورسله على وجه الأرض .
قال تعالى في نفس السورة :
وكذلك أنزلناه حكما عربيا ، ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق . الآية ( 38 ).
وتعظم فرحة العربي المسلم عندما يبشره الله بأن كتابه له ميزات لم يحظ بها من الكتب السماوية إلاهو .في مقدمتها :
1 لا مجال ممكن للإنسان من أجل المشاركة في إبداعه .ويدخل في هذا الإطار حتى الأنبياء والرسل وضمنهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى في نفس السورة :
وما كان لرسول أن ياتي بآية إلا بإذن الله ، لكل أجل كتاب . الآية ( 39 ) .يمحو الله ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب . الآية ( 40 ) .
2 حفظ هذا الكتاب من التزوير والتغيير اللذان لحقا كتبا سماوية سابقة .
قال تعالى في سورة الحجر :
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون . الآية (9)
3 أن الله تعالى هو الذي جمعه ورتب سوره وأياته .
قال تعالى في سورة القيامة :
إن علينا جمعه وقرآنه . الآية ( 16 ) .
4 جعل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم فاصلا بين مرحلتين أساسيتين من حياة العربي بصفة خاصة وحياة البشرية جمعاء : فاصلا بين ظلمات الجهل والجاهلية بكل أشكالها ونور الحق والهداية بمختلف مكوناته .
قال تعالى في سورة إبراهيم :
بسم الله الرحمان الرحيم ألر ، كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور . ( الأية ( 1 ) .بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد . الآية ( 2 ) .
وقد وردت في كتابه عز وجل آيات عديدة في هذا المعنى الحضاري الإنساني الذي كان من دواعي فرح الإنسان العربي الذي تم تشريفه بنزول كتاب الله بلغته . ودعم هذا التشريف باختيار النبي محمد العربي صلى الله عليه وسلم لتبليغ كتابه الكريم.
قال تعالى في سورة النحل :
ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين . الآية ( 89 ) . وقمة البشرى بالنسبة للعرب المسلمين هو رفع عقدة الأمية عنهم والافتخار بكتابهم المنزل على نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام .