آخر الأخبار

” كيمو ” عبق قادم من آيت باعمران

“كيمو” قد يبدو إسما غريبا بعض الشيء لكنه يستمد سحره من جبال الأطلس أمازيغي قح يحمل في ثناياه رنة موسيقية عجيبة ،صحيح أني لم أجد له تفسيرا في القواميس والمعاجم ونحن نسمعه لأول مرة سنة 1984 حين التحقت بالتدريس بجبال أيت باعمران ، بمنطقة جبلية وعرة المسالك رغم قربها من مدينة تزنيت فأغلب طرقها غير معبدة . ومن أجل الوصول إليها معاناة ومشقة لازالت موشومة في الذاكرة “كيمو” سمعته ذات يوم من شهر شتنبر ،شديد الحرارة من المدير وهو يناديه بهذا اللقب بصوت عالي وقد بدا واقفا أمام باب الإدارة. ، إسم لسهولة نطقه غطى على اسمه الشخصي لحسن. يتفاعل مع كل دعوة له باستجابة فورية ،خرج مهرولا ببذلته الرمادية من حجرة كتب في يافطة لعبت بها حرارة الشمس وعوامل التعرية فتقادمت كلمة “مطعم ” “كيمو” رجل في عقده الخامس متوسط القامة بشرة وجهه تميل لسحنة صحراوية تعلوه ابتسامة باحتشام شديد ،لازال يتمتع بالحيوية والنشاط ، رافقنا لقاعة الإستراحة وقدم لنا ماء وجدنا مذاقه غير مستساغ. لكن لشدة العطش لم نجد عنه بد ، صديقي حسن وهو يتصبب عرقا وقد فك بعض الشيء من ربطة عنقه ، يرتدي بذلة رمادية وحذاء قد غطى الغبار جل مساحته سأل “كيمو “:من أين يأتيكم الماء ؟ إن مذاقه غريب وغير مستساغ ؟
أجابه ” كيمو” بصوت ممزوج بقليل من التهكم : استاذي أنت في منطقة جبلية أغلب مصادر مياهها “لمطافي” خزانات تجمع فيها مياه الأمطار. منطقة قليلة المياه ونحن في موسم ساده الجفاف “،الله يرحمنا” وإلا فماعليك إلا طهيه أو إقتناء الماء المعدني من الحوانيت الموجودة بالسوق .
نحن في بداية المشوار والمؤونة لن تكفينا ،وبالتالي لامفر من التأقلم مع هذا الوضع عقبت عليه ونحن نتفاعل في النقاش. كلما إجتمعنا حول مائدة الشاي التي كان يعدها
” كيمو” بفنية عالية رائحة الزعتر تسكر الأنوف وكيف أن الماء الذي كنا عاجزين حول مشكل تدبيره أصبح عاملا رئيسيا في إعداد هذا المشروب الذي نعشقه جميعا ، ويعتبر من الأسرار التي أطلعنا عليها ، حين يلمس سي لحسن بعض الإرتياح لدي الجميع يسترسل في جرد قطعة من سيرته الذاتية المليئة بالأحداث ،
“كيمو” رجل تقاعد من الجيش بعدما خاض تجربة مريرة بمدينة إفني لم يستطع المزاوجة فيها بين وضعه الإجتماعي وبعده عن العائلة ومساره كجندي كانت كل مصاريفه مؤجلة مادام الدريهمات المنزوعة غصبا من تدبيره اليومي تصل للعائلة في قمة الجبل. يحس بفرحة لاتسعه حين يجيبه ابنه محمد عبر الهاتف الوحيد الموجود بالقرية في مكتب صغير للبريد مركون بجانب بناية للموظف هناك. يعمل جاهدا من أجل توفير مورد لأسرته حتى لا تعرف نقصا أو خصاصا . فيخرج من جيب سرواله الذي فقد لونه وساما يحمل نجمة ترمز للوطن وبها خيط بلونين أحمر وأخضر فيقول :
لايمكن أن تتصوروا فرحتي وأنا أقف بين يدي مسؤول كبير فيضع حول رقبتي هذا النيشان والموسيقى العسكرية تعزف ايقاعها الجميل بمناسبة تحرير مدينة إفني من الإستعمار الإسباني. فيشخص ذاك المشهد وهو يقف مستقيما بحذائه القديم وسرواله الباهث. وهو يردد النشيد الوطني بتلعثم شديد لكن بقوة وحب فيرفع صوته لعله ينسجم مع الموقف وتلك الحماسة. تأخذني الدهشة والإعجاب باعتزازه بتلك المرحلة وكيف أنه يرويها كلما سنحت له الظروف بتفاصيلها دون نسيان.
(مقتطف من يوميات معلم بالأرياف المقال لم ينته بعد وقد نعود لاستكماله مستقبلا. )

ذ ادريس المغلشي.