آخر الأخبار

كرة القدم ليست مجرد لعبة..

* أسماء بنعدادة


نحن أمام ظاهرة عالمية شعبية تقف أمامها آليات التحليل السوسيولوجي والسيكولوجي والسياسي موقف الحيرة.. كيف نفسر التحام الشعوب العربية/ الأمازيغية، الإفريقية والمسلمة بكل فئاتها العمرية والاجتماعية من الرجال والنساء ونخبها السياسية في تتبع نتائج المنتخب المغربي، ومقاسمته فرحة الفوز؟ من الصعب أن يظل الإنسان في موقع المتتبع فقط.. الحياة اليومية للناس تتغير وتتبرمج حسب مواعيد المبارايات،، بعض المؤسسات التعليمية والاقتصادية منحت العاملين بها عطلا استثنائية لكي يتابعوا مباريات المنتخب المغربي.. الحشود من الرجال والنساء والأطفال من كل الأعمار لا حديث لها في أماكن العمل والفضاءات العمومية وداخل الأسر إلا عن كرة القدم، وعن التوقعات والحلم بالفوز، المقاهي تغص بالمتفرجين والمتفرجات، وحجز المقعد يبدأ ساعات قبل انطلاق المبارة،، الأعلام المغربية في جل الأماكن.. بمجرد أن تسمع صفارة الحكم، حتى تتحول الشوارع والأزقة والساحات العمومية إلى مسارح وقاعات مفتوحة للفرجة والاحتفال في وجه الجميع.. مشاهد يصعب وصفها بالكلمات، إبداعات الشباب في الغناء والرقص وكتابة شعارات على اللافتات، رسومات باللونين الأحمر والأخضر على الوجوه، الضرب على الآلات الموسيقية، تحريك منبهات السيارات، المفرقعات الملونة بالأحمر والأخضر، الأصوات المتعالية والزغاريد،، المتتبع الواحد يصعب عليه رصد كل مشاهد الاحتفال، لأن الجماهير الغفيرة التي تتواجد بالشوارع لا تسمح بالتنقل إلا في مساحات ضيقة.. الجميل الكل يبتسم للكل، الكل يصافح الكل.. الكل يتقاسم الفرح مع الكل، الاحتفال كبير والفرح عارم وعفوي،،

ما هو الحدث الذي يمكن أن يوحد الناس رجالا ونساء في كل المدن والقرى والمداشير البعيدة، داخل البيوت وفي الفضاءات العمومية؟ وحدها كرة القدم يمكنها فعل ذلك.. فهل هي فعلا مجرد لعبة؟؟ لا، كرة القدم ليست مجرد لعبة، هي لعبة لكن ليست كباقي الألعاب، هي اللعبة الأكثر جماهيرية عبر التاريخ، هي اللعبة التي ينحدر جل اللعبين بها من الطبقات الشعبية، اللعبة التي تلتف حولها جميع الفئات من كل الأعمار بدون استثناء، كرة القدم كما نعيشها كشعوب تتطلع للحرية والتقدم هي فرصة للتعبير عن الحاجة الدفينة التي يحملها كل مواطن ومواطنة إلى الشعور بالانتماء والإحساس بالكرامة، الحاجة إلى الاعتراف بنا كشعوب قادرة على العمل الجاد والبناء وجني ثماره،، الحاجة إلى إثبات الذات وتعزيز الثقة بقدراتها، الحاجة إلى دحض الأحكام السلبية التي استبطناها عن ذواتنا كأفرد وشعوب والتي لا زال الغرب يروج لها بكل الأساليب،، الحاجة إلى الفوز، أجل الشعور بالفوز، إلى أن نعيش ونتذوق نشوة الفوز …

كرة القدم هي فرصة للتصالح مع ماضينا وتصحيح أخطائنا والحلم بغد تتحقق فيه كرامة الإنسان في جل الشعوب المقهورة التي تتذوق طعم الهزائم بدون توقف.. إنها الحاجة أجل الحاجة إلى الشعور بالنصر والانتصار.. كرة القدم ليست مجرد لعبة، كرة القدم مدخل لتحقيق مواطنة المواطنين والمواطنات ..

تفتح مواقع التواصل، فيديوهات من كل الدول العربية ومن دول أخرى تتواجد بها جاليات عربية، نكت بحس فكاهي رفيع المستوى، كاريكاتور، إبداعات مدهشة .. هل يمكن أن نبقى في صف المتفرج المحايد أمام كل هاته المشاهد؟؟ لا، حتى الذين لا يهتمون بكرة القدم في الأيام العادية (وأنا واحدة منهم) يجدون أنفسهم منخرطين ومنخرطات وبقوة وبحس وطني كبير في تتبع مباريات المنتخب الوطني ويرفعون سقف الحلم بالتدرج من ربع النهائي إلى نصف النهائي والبارحة بدأنا نسمع هتافات بحمل الكأس في مونديال قطر 2022…
لما لا؟ الدرس المستخلص من التاريخ هو أن الحلم هو محرك القوى العقلية والنفسية لكل الإنجازات الكبرى..
المغرب في المربع الذهبي.

فلنحلم، وليس الأربعاء ببعيد..

* أستاذة في علم الاجتماع