آخر الأخبار

قراءة في كتاب مرشد المحقق الجنائي

قراءة في كتاب “مرشد المحقق الجنائي” لمؤلفه محمد توفيق التردي

عبدالرزاق الحيحي

لا شك أن الثقافة الأمنية كمفهوم عام وجديد يستخدم من قبل المؤسسات الأمنية والحكومية لإشاعة الوعي بين كافة فئات المجتمع، والتي تهدف إلى إيجاد جيل يشارك الأجهزة الأمنية في منع الجريمة والوقاية منها، بمعنى أن الأمن مسؤولية الجميع. ولهذا فقد أصبحت الثقافة الأمنية إستراتيجية تتبعها الشعوب لتحقيق التكيف و الضبط الاجتماعي خاصة بعد ما شهده العالم خلال السنوات الأخيرة من تغيرات أثرت على مختلف مجالات الحياة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية …الخ. وقد أفرزت تلك التغيرات حاجة الدول إلى تنمية الثقافة الأمنية و تعميم الوعي بين الأفراد وإيجاد بيئة تساعد على التطور ودفع عجلة التنمية. هذا كمفهوم وكواجب يضطلع به المجتمع بأكمله وليست المؤسسات الأمنية بمفردها لأن الهدف لدى الجميع هو تدعيم الإحساس بالأمن والوقاية من كل مظاهر الجنوح والانحراف.
ربما أن هذه الفكرة كانت حافزا للزميل والصديق ذ. محمد توفيق التريدي لإغناء الخزانة القانونية المغربية بمؤلفه القيم “مرشد المحقق الجنائي” الذي صدر عن المطبعة والوراقة الوطنية في طبعته الأولى سنة 2019. هذا البحث الذي أعتبره عصارة ما اكتسبه من خبرة ومن اطلاع خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود من العمل في جهاز الأمن الوطني. ولمعرفتي بالرجل الذي يتمتع بالأخلاق العالية والذي كنت ولا زلت إلى حد اليوم أتبادل وإياه بعض المعلومات ذات الاهتمام المشترك، فقد كان ولا زال قارئا نهما لا يتوانى في البحث والتنقيب عن المعلومة القانونية والإدارية التي كان لا يبخل بها ولا يحتفظ بها لنفسه، وإنما يقوم بتدوينها ليستفيد منها كل باحث وقارئ من خلال مدونته الخاصة التي أطلقها بالشبكة العنكبوتية قبل إحداث منصات التواصل الاجتماعي المتوفرة بكثرة في وقتنا الراهن.
كان لي شرف الحصول على نسخة من الكتاب أهداني إياها المؤلف بمجرد صدوره، وكان قبلها، ولفرط تواضعه، قد وضع بين يدي نسخة منه قصد الاطلاع وإبداء الرأي والملاحظات، فوجدت الكتاب مفيدا في موضوعه.
الكتاب يحتوي على 319 صفحة ومقدمة وثلاثة عشر فصلا، فتناول بالمقدمة التعريف بالدور الذي تضطلع به قوات الشرطة للحفاظ على الأرواح والممتلكات، ومسؤولية الأمن في الظرف الراهن التي تختلف عما كانت عليه فيما مضى، لتحقيق الهدف الذي لا يتغير بتغير المستجدات والمتغيرات الاجتماعية وما جد من اختراعات قد تشكل تهديدا للسلم والأمن والطمأنينة.
وانتقل ذ. التريدي بعد مقدمته هذه للتعريف بتاريخ التحريات والتعريف بالشرطة عامة، ثم الشرطة القضائية وهيكلتها القانونية، ثم أعوان الشرطة القضائية، ليلج مباشرة إلى لب موضوع الكتاب، فسلط الضوء على موضوع التحقيق الجنائي، ومن هو المحقق أو الباحث الجنائي، وما هي شروطه وصفاته ومعيقاته، وأشار إلى قواعد التحقيق الجنائي وأخلاقياته ومصادر معلومات المحقق الجنائي.
ونظرا لما لمحضر الضابطة القضائية من أهمية قصوى، وانطلاقا من الخبرة التي راكمها المؤلف، لم تفته الفرصة للتطرق لأهمية التحرير والكتابة التي يجب أن يتحلى بهما ضابط الشرطة القضائية، إضافة لضرورة إلمامه بشروط صحة المحاضر القانونية وقواعد تحريرها ومضمونها، بحيث تناول أيضا موضوع المعاينات ونظامها القانوني، ومحاضر الانتقال، والمعاينات المادية، وطريقة إنشاء محاضر المعاينة، وعزز كل هذا بنماذج لمحاضر معاينات تتعلق بجرائم مختلفة.
الفصل السادس من “مرشد المحقق الجنائي” تطرق لموضوع لا يقل أهمية عن باقي المواضيع التي تناولها الكتاب، ألا وهو مسرح الجريمة La Scène du Crime، فأحاط بالموضوع من كل جوانبه التي يجب على المهتم والباحث والممارس لمهام الشرطة القضائية الإلمام بها.
كان للمساطر القانونية المنجزة من طرف الضابطة القضائية نصيبها من البحث داخل هذا المؤلف النفيس، فقد تحدث الأستاذ التريدي عن المساطر المتعلقة بحالات البحث التلبسي، والبحث التمهيدي والإنابات القضائية والإدارية، ولم يفته كعادته تعزيز كل ذلك بنماذج لبعض المحاضر، كمحضر المواجهة في إطار حالة التلبس، ومحاضر التفتيش والاستماع أو استنطاق شاهد، وأرفق ذلك بنماذج لتصاميم مساطر تتعلق بجنايات مختلفة.
بعد تناول موضوع الأوامر القضائية وطرق إنجاز محاضر تنفيذها، لم يغفل المؤلف الحوادث المرورية بشتى أنواعها، فنالت نصيبها من البحث بين دفتي كتابنا هذا “مرشد المحقق الجنائي”.
لم يغفل الزميل الأستاذ محمد توفيق التريدي أهمية التطرق للمخالفات المبطلة للمسطرة الكتابية التي يجب على ضابط الشرطة القضائية معرفتها ليتجنبها أثناء القيام بمهامه.
ختم ذ. التريدي كتابه بالتذكير بما تتطلبه كل مهنة من أخلاق وآداب وسلوكيات، وذكر بأن جهاز الأمن ووظيفة رجل الشرطة من بين كل تلك المهن التي تفرض على صاحبها أن يتحلى بأخلاق وسلوكيات معينة، وهذا ما دفع بالمديرية العامة للأمن الوطني لإصدار مدونة قواعد سلوك موظفي الأمن الوطني المستلهمة من مضامين الخطب الملكية ومن الدستور المغربي ومن المواثيق الدولية، وهي مدونة موجهة لكافة رجال الأمن، دونما اعتبار لرتبهم ومسؤولياتهم.
أهمية كتاب “مرشد المحقق الجنائي” تفرض علي وبإلحاح أمانة التذكير به كمرجع قانوني نظري وعملي يحتاجه كل من له علاقة بالأبحاث والدراسات القانونية ومهام الشرطة القضائية على الخصوص، ويبقى مرشدا بحق لكل محقق جنائي./.