آخر الأخبار

عودة طالبان

محمد نجيب كومينة 

قد يرى البعض في عودة طالبان الى الحكم بالقوة في افغانستان انتصارا للقبيلة الوهابية على الامريكان و الناتو و ….و قد يسرع متسرع الى اجراء مقارنات مع حروب فيتنام ضد الفرنسيين ثم الامريكان، لكن الوقائع، التي تحاول التعتيم عليها التصريحات و الضجيج الاعلامي، من شانها ان تكشف عن حقيقة ان طالبان يعودون في مهمة في منطقة تماس ساخنة حاليا، وستكون اسخن في المستقبل.
اكيد ان الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها، قد اقتنعت ان 20 سنة من الوجود في هذا البلد كانت مكلفة جدا، بعد صرف عشرات المليارات من الدولارات دون تحقيق النتائج المرجوة، وان الكلفة سترتفع اكثر بالنظر الى كون عدد هائل من الافغان صاروا عالة عليها، بمن فيهم من تولوا مسؤوليات الدولة والجيش والادارة، واقتنعت كذلك ان جزءا كبيرا الشعب الافغاني، وبالاخص قبيلة البشتون الغالبة والممتدة في باكستان، يرغب في العيش في القرون الوسطى و في ظل نظام حكم طالباني، وهذا ما يظهره ويؤكده الانتصار السريع لطالبان و ضعف مقاومة الجيش النظامي و السكان لزحفهم شمالا وجنوبا وشرقا و حتى غربا حيث يعيش الشيعة، وهذا مغزى كلام الرئيس بايدن في كلمته اليوم التي قال فيها ان الولايات المتحدة رغبت في محاربة الارهاب و ليس تكوين امة، والحال ان افغانستان فسيفساء قبلي يجتمع على الاسلام وليس على فكرة دولة وطنية او دولة امة، و ترى قبائله نفسها امتدادا لقبائل باكستانية واوزبكية و ايرانية وغيرها، و يمكن في اي لحظة ان تدخل في حروب قروسطية شرسة و ان تنقل هذه الحروب الى دول الجوار.
ومن الواضح، وهذا ما ستظهره الفترة المقبلة، ان انسحاب الولايات المتحدة وسحبها لعدد كبير من الافغانيين الذين اشتغلوا معها اذ يهدف الى التحرر من ثقل وكلفة باهضة و تجنب سقوط مزيد من الامريكيين في ظل وضع غير قابل لاي استقرار على المدى البعيد، على اساس اعمال المراقبة عن بعد وبواسطة المخابرات للحيلولة دون تكرار ما حدث في 11 شتنبر 2001، فانه يهدف ايضا الى جعل افغانستان تهديدا لكل من الصين وروسيا، المجاورين، و بالتالي اعادة انتاج سيناريو قديم كان له دور في سقوط الاتحاد السوفياتي. ومعروف ان الولايات المتحدة كانت قد ضغطت بقوة على الحكومة الباكستانية من اجل اطلاق سراح الزعيم الحالي لطالبان، وتغاضت عن تولي قيادة جيش طالبان من طرف احد رموز القاعدة، و كذلك عن احتضان قطر، التي توجد بها القاعدة الامريكية العديد، لاعضاء من المكتب السياسي لطالبان، الى جانب قيادات الاخوان المسلمين وجماعات اخرى، بل وتكليفها بالتوسط، ولذلك دلالته التي لاتخفى في ظل التنافس بين القوى الكبرى بتشعباته الجديدة و بمركزه الجديد في المحيط الهادي.
ان عودة طالبان الحكم، مع التزامها المعلن بان لا تكون افغانسان منطلقا للارهاب ضد البلدان الاخرى كما حدث سنة 2001، يعني ان على الصين وروسيا على الخصوص توقع تحول هذا البلد الخاضع لنظام قروسطي معادي للشيوعية و غير المنشد الى فكرة وطنية نظرا لسيطرة قبيلة البشتون على مفاصله و معادي ايضا للروس و لنفوذهم في الدول المتكونة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي….الى مصدر تهديد حقيقي ومخاطر قصوى، ولعل انتقاذ الصين للانسحاب السريع للقوى الاجنبية من افغانستان و اجراء روسيا لمناورات عسكرية ضخمة بالجوار الافغاني، ثم فتحهما لقنوات حوار مع قادة طالبان قبل الزحف على كابول وسقوطها، بسهولة ودون مقاومة تقريبا، امور تعبر عن وعي القيادات الصينية والروسية، وحتى الهندية، بخطورة ما يجري بافغانستان على الوضع الاقليمي، وعلى الدول المنافسة للولايات المتحدة والغرب هناك، وعن امكان لعب طالبان، ومعهم جماعات اسلامية سنية اخرى، لا دوار شبيهة بالادوار التي لعبتها فيما مضى. و لاسباب اخرى، غير التنافس الدولي، فان ايران لا بد وان تخشى هذا التطور، خصوصا وان طالبان الوهابيين يكفرون الشيعة وكانوا سابقا في حالة حرب مع الطائفة الشيعية بافغانستان بقيادة حكمتيار، بعدما اشتركت معها في الحرب ضد النظام الشيوعي والاتحاد السوفياتي السابق.
هي لعبة دولية تنطلق و سيكون المسلمون مرة اخرى حطبا لها و سيظهر طالبان لبقية العالم صورة سيئة عن مسلمين رجعيين يرغبون في القرون الوسطى و يرفضون التقدم و مكاسب الحضارة البشرية المعاصرة. و الواقع ان هذه الرجعية المنتشرة خارج افغانستان، والتي تستمر في التعبئة، تبقى مفتوحة على البلادة الاستراتيجية و الغباء السياسي بحيث يسهل التلاعب بالمسلمين في كل مرة وتسخيرهم لتخريب بلدانهم و البلدان الاخرى والاساءة للدين الاسلامي الذي يزعم الاغبياء انهم يدافعون عنه.