آخر الأخبار

طُوفان المخدِّرات

محمد خلوقي

في الاونة الاخيرة ، كثر المتربِّصون المُهدِّدون لامن الوطن وسلامته ، فلبسوا أقنعة ًمختلفة الاشكال والاحجام ، ونهجوا طُرقا مُلتوية ،وغير شريفة لتحقيق غاية واحدة ووحيدة وهي تجميع وامتلاك المال، والثروة والنفوذ ، واستنزاف مقدرات هذا الوطن العزيز ، وسأنبه في هذا المقال ، وأحذر من فئة مسكوت عن فضح اجرامها بالقدر المطلوب ، انهم أباطرة او(مافيات) المخدرات؛ انتاجا ،وتوزيعا ،وتجارة ، انهم وحوش آدمية ،قمَّة في الفساد والافساد ، قوم مات فيهم كل إحساس بوخز الضمير ، وصار همُّهم الحصول على المال والثروة، بوسائل وطرق غير شرعية ،وغير شريفة ، فصاروا من المساهمين في هدم نواة المجتمع ،والتسبُّب في كثير من المآسي الانسانية المؤلمة للاسر المغربية ، وذلك بتدمير صحة ،وعقل، ومستقبل الابناء والبنات ، من الاطفال والشباب والشيوخ ،وذلك بتقريب وتسهيل حصولهم على ذاك المحرَّم الممنوع ، فتجد المخدرات على اختلاف انواعها وأشكالها متاحة ًبقرب مداخل الاحياء، وبين الدروب والازقة ،وحتى على مشارف ابواب المنازل والمدارس ،وداخل المداشر والاسواق . لان هذه الفئة امتلكت نفوذا قويا داخل المجتمع ،ووسَّعت من أنشطتها التجارية، وشبكتها التزويدية ، فامتلكت الارض والسماء ، واستعملت في ذلك البشر والحجر والشجر كي تصل الى غاياتها .إنها فئة سافلة من سلالة الشيطان ، قد تجمعت فيها كل صفات الشر ، والاجرام المعلوم منه والخفي ، انه كيان لقيط وخطير وضار ، أثره على الانسانية يفوق دمار الزلازل ، وفتك الامراض والاوبئة ، وإرهاب الحروب ، هؤلاء المجرمون، شبكاتهم عنكبوتية ومتشابكة ، ومراتبهم متداخلة ، الظاهر منهم يتجلى في صغار تجار المخدرات الذين يروِّجون ويبيعون كل أنواعها وأشكالها ، اما الخفّي ُّ منهم فهم الاباطرة الكبار، الذين يتحصنون داخل مواقع تبدو في الظاهر غير مشبوهة ،فينشطون كالخفافيش -كل من موقعه- على انتاج البضاعة سواء بزرعها ، اوصناعتها ،ثم العمل على تسهيل تصديرها اواستيرادها، مستعملين في ذلك نفوذهم ،وطرقهم الخاصة، ووسائلهم الغريبة، والتي قد تخفى على الشيطان نفسه ،وهؤلاء الكبار دائما ما يتحصَّنون داخل ابراجهم، ومناصبهم الخاصة، في انتظار غسل تلك الاموال، والثرواث الخيالية التي تأتيهم من عائدات المخدرات والمهلوسات.
وهذه الفئات سواء( الظاهرة او الخفية ) هي وجه من وجوه المغتصبين الحقيقيين للوطن وأبنائه .. لانهم يشعلون يوميا نار الفساد بين فئة عريضة خاصة من الشباب والشابات و الذين تُركُوا- في سن حرجة من هيجان المراهقة – فريسة بين أنياب هؤلاء الوحوش الادمية.
نعم ، يوميا يتحصَّل المُوزعون على هذه البضاعة ، وتباع كميات هائلة من هذا السم القاتل ، باشكال واصناف متنوعة، وباثمنة متفاوتة ، ( حشيش – قات – ما ريخوانا – أفيون -ديوكامفين-الهيرويين..) ، كل حسب قدرة المستهلك وامكانياته المادية ..وهكذا فهم يربحون من جيوب الضحايا الاغبياء الاشقياء، والمجتمع يزداد بانحرافات ابنائه الى هاوية السقوط والاندحار بسبب آثار ومشاكل هذه المخدرات ، ذلك ان تزويد وبيع المتعاطىي الواحدِ قرصا من أقراص الهلوسة، كفيل بان يفجر في الشخص قوة وهيجانا حيوانيا قد لا يمتلكها الحيوان نفسه ، فيجعله يرقص عاريا كالمجنون، اويحدث جروحا وأضرارا بجسمه ، او يعترض سبيل المارة، ويسرق وينهب ويسلب ويغتصب ، بل قد تصل به الحالة الى قتل المقرَّبين من عائلته، في حالة رفضهم تزويدَه بالمال لشراء هذه البضاعة المُدمِّرة .وان كثيرا من حوادث الاجرام والقتل والاغتصاب في مجتمعنا، صارت بسبب هذا الداء اللعين .
وقد ساهم في تنامي سوق المخدرات ،وتفاحش الطلب عليها عوامل متعددة منها :
١-غفلة الاسرة عن آداء مسؤولياتها وواجباتها الاصلية في التربية والتوجيه قبل الرعاية ، او اتكالها الأعمى على عناصر خارجية في مهمة التنشئة والمتابعة ؛مثل الشارع الرفقة والاعلام والمدرسة.
٢- الفراغ والاحباط واليأس الذي تسرَّب الى نفوس بعض الشباب الذين فشلوا في مسارهم الدراسي او العملي، فولَّد عندهم حالة من الاحباط، والانحراف والولع بالهروب من مواجهة هذا الواقع .فانحرفوا عن الطريق الصحيح ، ووجدوا ملاذهم الوهمي في تعاطي هذه المخدرات بكل أصنافها ، واشكالها لهذا لابد من الوقوف بوعي ،وحزم ،وتخطيط لمواجهة الظاهرة، وكل من يقف وراء تخريب المجتمع وتعطيل طاقاته البشرية.
واعتقد ان مسؤولية المواجهة والتغيير ، هي مسؤولية مشتركة بين كل من :
١- الفرد نفسه ؛بأخذ الحيطة والحذر، وعدم الارتماء في مستنقعات الهلاك،
٢- مسؤولية الاسرة باعتماد التربية والحوار والمتابعة، والتبليغ.
٣-مسؤولية كل من المدرسة والاعلام والمسجد بتعميق الوعي والتربية ،والتنشئة السليمة.
٥- مسؤولية الدولة وأجهزتها التشريعية والقضائية والامنية ، بالمراقبة والمتابعة وانزال اقصى العقوبات في حق المُروِّجين لهذا السُّم القاتل، واعتبار ذلك من أخطر ، وأكبر جرائم الفساد والإفساد .
فكل واحد عليه ان يقوم بواجباته ،بحسٍّ انساني ووطني رفيع ،ولا يتبرَّأ من هذه المسؤولية ،او يُحمِّلها لغيره ، لان اي تقصير او تهاون في هذا الطوفان لن يزيد السفينة ، ومن عليها الا غرقا وتلفا