آخر الأخبار

سلا مدينة مجاهدي البحر و البر و الفن 

إدريس الأندلسي

لا أدري كيف اتخذت قرارا عاديا للتجول هذا الأسبوع رفقة صديق في مدينة عشقتها منذ عقود. حين بدأ مساري الجامعي، كنت مصرا على زيارة سلا عند نهاية كل أسبوع. كان الطلبة يحجون إلى سلا لاقتناء بعض الملابس التي تقي من برد الخريف و الشتاء. “البال ” أي تلك السلع التي تأتي من القواعد الأمريكية و من أوروبا كانت رخيصة و حامية من البرد القارس. و حين يحل فصل الصيف كان شاطىء سلا جاذبا لكل محبي الإستمتاع بالسباحة بعيدا عن الازدحام الذي يعرفه شاطىء الرباط.

صباح هذا اليوم اخذتني الخطى للاستمتاع بحديقة سلا و سوقها المركزي و سورها التاريخي و مقابرها التي حمت المدينة من جشع المضاربين العقاريين. المسجد الكبير و مقر الزاوية الحسونية و الدرقاوية و السويقة لا زالت تحمل تاريخا قديما و مهما بالنسبة للمغرب. صنفها المستعمر كمدينة للقرصان و هي في الحقيقة المدينة التي كانت شعلة في مجال الجهاد البحري للدفاع عن مسلمي الأندلس و من ساندهم في الدول المطلة على بحر الشمال الأوروبي. الكذب و الإشاعة و تبخيس الدور التاريخي لمدينة سلا سكن الكثير من كتب استخباراتية صاغها “مسافرون” وجهت من اتخذوا القرار باستعمار المغرب و تقسيمه.

حين يستضيف بعض الأعيان رسول نحس تم إستقباله من شارع القناصلة في الضفة المقابلة، يشعر أهل سلا بضرورة طرده و عدم السماح له بتدنيس مدينة حملت هم الدفاع عن المغرب. كان الوعي موجودا لدى من خبروا حيل المراسيل الأوائل لجمع كل المعلومات عن الطرق و الأنهار و الواحات و الجسور و القبائل و العائلات و الدواوير و العادات و طرق الحرب. حين تتم قراءة المئات من الكتب- التقارير التي تتوفر الآن في كثير من المكتبات، يتبين كيف أن معهد الجغرافيا بباريس كان يخصص الجوائز و المنح لمن كان يسمى بالمستكشفين ك: بيير لوتي و لو فيكونت ” دوفوكولت” خلال تواجد فرنسا في الجزائر و بالضبط في ” للا مغنية ” كنقطة انطلاق علماء المهمة الاستعمارية ” في إتجاه شرق المغرب و سلسلة جباله و امتداد سهوله. و قد أكد الكثير من أطر العسكر الفرنسي على أهمية العمل الذي قام به ” دو فوكولت ” في تسخير أعماله الاستكشافية لتوغل الإستعمار في المغرب.

سلا اخافت اليوطي قبل الإستعمار و ذلك خلال مقامه بالرباط خلال القصف الأول للدار البيضاء سنة 1907. و يبين كتاب التقارير الإستعمارية على نسج علاقات مع شرفاء بعض الزوايا التي كانت تتوسل القناصل في الشمال و في الرباط و موكادور للوصول إلى المغرب. و منهم من دعم دخول المستعمر إلى المغرب لأسباب مختلفة. لكن كتاب التقارير لم تفتهم كتابة التفاصيل و فضح كل من أظهر الولاء للمستعمر و سخر زاوية اجداده لدعم الأجنبي المحتل لبلاده. و من الصعب اليوم التعامل مع رسائل و تقارير الكثير ممن خدموا الاستعمار و تولوا الدفاع عن مصالحهم غداة الاستقلال. التاريخ و الوثائق و غيرها من الوسائل التي تمكن من القراءة الموضوعية لما سجله ، تعري الكثير ممن لعبوا على حبلين إبان الإستعمار و قبله. و يظل الوطن رؤوفا رحيما و خصوصا ببعض الزوايا بعض الاعيان و القياد الذين وضعوا ايديهم في يد الإستعمار. و وصلت خياناتهم إلى حد المطالبة بعزل و نفي الملك الراحل محمد الخامس.

أسوار سلا ليست بريئة لأنها تنطق بلغة التاريخ. و تظل هذه المدينة جميلة رغم مظاهر الفقر و الفوضى العمرانية التي اصابتها. سلا اليوم يمكن اعتبارها ذات طبيعة بدوية إذا أخذنا بالاختبار تمددها شمالا في إتجاه القنيطرة و شرقا في إتجاه امتدادات تابريكت . لكل ما سبق، فضلت زيارة سلا التي أعرف و التي أحب. كنت أصل إليها من باب بوحاجة و استمتع بحي ” بوسيجور” ثم ادخل إلى سوقها التقليدي و احياءها الممتدة من السور إلى السور ثم إلى البحر. أتذكر مدارسها الحرة المعروفة بمدارس النهضة و أتذكر بكثير من الحب حيوية نسيجها الجمعوي في مجال المسرح و السينما و الكشفية و رصيدها في مجال الغناء العصري و فن الملحون. قيل عن سلا أنها مدينة نوم موظفي الوزارات ولكن الأصح هو أنها جزء كبير من العاصمة و كان من الواجب أن تنال موقعا كجزء كبير من العاصمة. ألم تحتضن مطار العاصمة ،ألم يعبرها ملايين زوار المغرب للوصول إلى الرباط. ألم تستقبل كبار زوار المغرب الذين شاركوا في أكبر المؤتمرات و المنتديات.

و ستضم مدينة سلا أول برج يتجاوز علوه 200 متر و يحمل إسم محمد السادس. و ستشكل أكبر قطب صناعي و علمي و تجاري و مالي على امتداد شريط داخل غابة السنديان متوجها إلى مكناس و طنجة. و سيظل الهيكل المعماري السلاوي الأصلي من متاحف المغرب .لو كان من الممكن سرد الوقائع السلاوية و شخصيات هذه المدينة لتفاجأت الكثير من الفئات الإجتماعية بمدينة سلا المجاهدة و حاملة تاريخ ثقافي و إبداعي و صوفي و عسكري و تاريخي. عائلات سلا العريقة كثيرة و كبيرة و لها بصمات لن تمحى. وقد تصبح قريبا مركزا للإنتاج الإعلامي حيث تم إنجاز مركب يضم عدة استديوهات بالقرب من الولجة التي تضم أيضا قرية للصناعة التقليدية و مركزا كبيرا للمؤتمرات.