آخر الأخبار

حركة المقاومة بمراكش – 2 –

عمر المتوكل الساحلي 

لا يخفى على كل من عماش أيام محنة المغرب الكبرى، الجو الإرهابي الذي أصبح فيه الشعب المغربي بوجه عام، وسكان مراكش وضواحيها بوجه خاص، وذلك منذ الحركة التمردية التي تزعمها الكلاوي، بعد أن طرد من القصر الملكي في حفلة عيد المولد النبولي (1373هـ) والتي تلتها الحفلات الاستفزازية لعيد الميلاد ورأس سنة 1953 ، حتى بلغت أوجها بالحملات المحمومة والمؤتمرات والتظاهرات المصطنعة برئاسة الكلاوي والكتاني في جميع أنحاء المغرب، وذلك برعاية الإقامة العامة، إلى أن تمخضت عن إبرازين عرفة إلى المسرح السياسي الهزلي حيث أدى اليمين للإقامة العامة وعملائها بضريح مولاي إدريس زرهون ) عاشر غشت 1953) ونقل إلى مراكش يوم الأربعاء 12 منه على أن يعلنوه الإمام الديني على حد تعبيرهم حينذاك، في عاصمة الجنوب، وأن يحضروه لصلاة الجمعة يوم 14 غشت في جامع الكتبيين الأمر الذي دفع الإخوان المؤسسين للمقاومة في الدار البيضاء ومن ضمنهم: محمد الزرقطوني و الحسين الصغير و عبد العزيز الماسي رحمهم الله، الى الحضور إلى مراكش لمحاولة عرقلة المخطط الاستعماري الخبيث.

زمن أجل ما شعر به الفرنسيون من غليان عدلوا عن إخراج إمامهم الديني الى صلاة الجمعة ، واغتنم الاخوان المقاومون القادمون من البيضاء ، ما قام به بعض الموجودين أمام المحراب من محاولة صد الخطيب كي لا يذكر في خطبته بنعرفة ( فأطلق المرحوم الزرقطوني صفارة مطاطية) فوقع ما وقع في الكتبية، الأمر الذي أحدث الرعب والهلع بين الحاضرين ففر الجميع حفاة تاركين نعالهم كما هو مشهور لدى الجمهور المراكشي، ومن حسن حظ تاريخ المقاومة، أن يوجد بعض هؤلاء الرجال بين أعضاء اللجنة الوطنية، الذين استر خصوا أرواحهم في سبيل الله وحضروا في كل من زرهون ومراكش وفاس لمحاولة إحباط المؤامرة في مهدها، وفي هذا اليوم بالذات كانت حادثة جامع المواسين ضد الخطيب، حيث لم يذكر محمد بن يوسف في خطيبة الجمعة، واعتقل بسببها السادة عمر الخراز رحمه الله المحكوم بـ52 عاما، وعبد القادر الكرماعي ومولاي الكبير المحكومان بـ 30 عاما (12) أبريل (1954)، وقد 3 غشت التي استشهد كانت الحادثان بمثابة الشرارة الأولى لحوادث المشور يوم فيها عدد من المواطنين وفي مقدمتهم الشهيدة فاطمة الزهراء التي أورد اسمها المغفور له محمد الخامس في خطابه التاريخي الذي ألقاه في نفس المشور في زيارته الرسمية الأولى لمدينة مراكش بعد الاستقلال (13) يونيو (1957).

ولما تكتسيه حادثة المشور من صبغة التضحية والفداء، وسجلها التاريخ لأبناء مراكش ومسفيوة وتسلطانت، الذين اندفعوا لمحاولة إحباط المخطط الاستعماري، ولما أولاه المغفور له محمد الخامس لحوادث مراكش من عناية خاصة ووفاء لضحايا ،مراكش، فقد ارتأينا أن نحلي هذا العرض بفقرات من ذلك الخطاب الملكي الذي قال فيه على الخصوص ولكن كانت زيارتنا للحمراء، تكتسي صبغة خاصة فما ذلك لكون هذه المدينة إحدى عواصم مملكتنا الشريفة، ولا لأنها كانت موضع اهتمام أسلافنا المقدسين رضوان الله عليهم، بل لأننا نرى في زيارتنا خير مناسبة تتيح لنا أن نستعرض جميعا أمجاد هذه المدينة، وما كان لها من مساهمة فعالة في معركة التحرير، أليست هذه المدينة هي التي تجرعت أوفر نصيب من الظلم والإقطاع وعرفت ألوانا شتى من الاضطهاد طيلة سنوات عديدة ؟ ألم تكن في طليعة المدن التي عرفت – وخاصة إبان الأزمة الأخيرة كيف يشهد الناس على تفانيها في محبة الوطن والملك وعلى بذلها كل غال ونفيس في سبيل نجدتهما والدفاع عن كرامتهما ؟ إن الله اشترى من أبنائها المخلصين أنفسهم فاسترخصوها فداء للحق المهضوم، وتلبية لنداء الواجب المقدس وهبوا يقوضون صروح الغي ومعاقل الطغيان، وذلك بفضل ما أوتوه من قوة الإيمان ومضاء العزيمة وقد كان لبعضهم شرف الشهادة في ذات الله والوطن والعرش، ولن ننس شهامة الفدائيين الأبطال، أمثال الشهيدة المقدامة فاطمة الزهراء. وحمان بن مبارك الفطواكي ومبارك بن بوبكر الدكالي، وعلال بن أحمد الرحماني، ومحمد بن الحاج البقال وأحمد بن علي أقلا وغير هؤلاء، ممن لا يقلون عنهم ثباتا وإخلاصا وغيرة وإيمانا، ويسرنا ونحن في هذه المدينة التي تكافأ فيها شرف الحاضر ومجد الماضي، أن تنتهز فرصة وجودنا لنؤكد مزيد اهتمامنا نحن وحكومتنا بهذه المدينة، ووطيد عزمنا على أن يكون مستقبلها زاهرا بإذن الله.

كيف تأسست حركة المقاومة في مراكش ؟

للجواب عن هذا السؤال لابد من الإشارة إلى بعض الأحداث التي سبقت 20 غشت 1953. فبعد القمع المسلط على طلبة كلية ابن يوسف من قبل دار الباشا الكلاوي سنة 52 نزحت نخبة منهم إلى الدار البيضاء بعد أن ذاقوا أنواع التعذيب التي منها التعذيب بالفلفلة السودانية الشهيرة بها دار الباشا والتي أصبحت اليوم من الآثار التي تزار للعبرة والاتعاظ وشاء الله أن تكون الدار البيضاء ملتقى الأحرار المضطهدين أنحاء المغرب ومن بين هذه الفئة الطلابية التي ساهمت في تأسيس حركة المقاومة وتنظيمها وقيادتها في جميع

في أوائل يوليوز 53 اضطررت إلى النزوح إلى الدار البيضاء لنفس الدوافع، بعد أن انفلتت من الاعتقال، وذلك بفضل تدخل الخليفة مولاي إدريس رحمه الله لدى ولد الباشا القائد أحمد ، النائب في غيبة والده في هذا الوقت بالذات تعرفت على المرحوم عبد العزيز الماسي ومولاي العربي الشتوكي، بواسطة مولاي مسعود المجاطي، في محل بلعيد رحمه الله ، الكائن بدرب القريعة، كما تعرفت في نفس المحل بالسيدين سعيد بونعيلات وعبد الرحمان الصنهاجي معرفة الوجه فقط، الأمر الذي اقتضته الظروف حينذاك، وفي إطار التنسيق جددت الاتصال ببعض الأصدقاء الذين تعارفت معهم في الحركة الوطنية الاستقلالية من قبل، مثل الأخ محمد بنموسى الساحلي وأحمد الخصاصي والحسن بن همو السكتاني ومولاي البصري ومولاي عبد السلام الجبلي، الذين تعارفت معهما في مراكش، وهم من طلبة كلية ابن يوسف، ثم

سرعان ما تم التنسيق بين الجميع وتوالت الأحداث التي ساهمت بدورها في توحيد الصف، لإنقاذ البلاد ومسح العار الذي ألحقه الاستعمار وإذنابه بالشعب المغربي في رمز سيادته، وكانت هذه الفترة القصيرة مليئة بنشاط دائب واستعدادات متواصلة لخوض المعركة باللغة التي يفهمها الاستعمار، وكان محل بلعيد محور اللقاءات لهؤلاء الإخوان

في أواخر أكتوير، عدت إلى مراكش، وذلك بأمر من الخليفة مولاي إدريس، لاستئناف العمل الدراسي مع أنجاله على أن الباشا قد سمح لي بذلك، وقبل رجوعي إلى مراكش اتصلت بعبد العزيز في متجر بلعيد ومولاي البصري، كل على حدة، واتفقنا على أن أقوم بتجديد الاتصال بالوطنيين الذين سلموا من الاعتقالات في مراكش ونواحيها، من أجل تأسيس الحركة في مراكش على أن يستمر الاتصال بيننا في الدار البيضاء كل جمعة لتكون القيادة على بينة مما يتجدد في مراكش كل أسبوع.