آخر الأخبار

امريكا و الأوضاع العربية المشرقية البؤرة اللبنانية – 9 –

فكيف إذن هو الوضع اللبناني العام في الراهن ؟ لا يجهل أحد ، أن لبنان يمر بأعقد وأسوء أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية . حتى أن بعض المحللين يعتبرونها في المجالات السابقة أخطر من الأزمة المعقدة التي عاشها لبنان طيلة سنوات الحرب الأهلية والاحتلال الإسرائيلي . ويكفي دليلا أن ما تحت خط الفقر طال نصف المجتمع ، وهو الذي كان يتمتع بفئات وسطی عريضة ، عاشت قبل السبعينيات ، في ” بحبوحة ” نسبية . ثم تغيرت الأحوال ببطء ، لكن مكانتها الاجتماعية بقيت مع ذلك متميزة عن الهوة السحيقة الحالية . مرد هذه الأزمة يعود إلى عوامل عدة ، منها التغييرات الاقتصادية والسياسية التي حدثت على المحيط العربي ، والتي أضاعت للبنان بعض الامتيازات التي كان يستفيد ها . ومنها تراكم مخلفات سياسات الحكومات المتعاقبة لما بعد اتفاقية الطائف . وهي سياسات التي أفضل أن أسميها ولو مؤقتا ب ” شبه الرأس مالية ” ، لأنها ، كبنية اقتصادية ، ليست رأسمالية بالمعنى الأصيل التقليدي . ولا هي ” نيوليبرالية ” إلا من حيث أن سقف اختیاراتها لا يخرج عن التراتبية والوظيفية الذين تراهما لها المصالح النيوليبيرالي ( الحقيقية على المستوى العالمي . ولان وضع الدولة في لبنان ضعيف ونظامها طائفي فان الأزمة تأخذ أحجاما مهولة ، أبعد أثرا من المضاعفات السلبية التي تنميها السياسات ” الشبه رأسمالية ” في كافة البلدان العربية . وأخص من ذلك ، توغل الفساد بكل أشكاله ، والذي بلغ في لبنان أحجاما ما عادت تطاق ، ولا عاد الاقتصاد الوطني قادرة الوقوف على رجليه إذا ما استمر الوضع على حاله . و إذا كان الفساد بكل أشكاله يتلازم في بلداننا العربية مع النقص الكبير في حقوق المواطنة ، ومع انحطاط سمو القانون ، وهزالة وشكلية ادوار المؤسسات التمثيلية المنتخبة ، و تدني استقلالية القضاء فلا جدال ، أن التركيبة الطائفية في لبنان تزيد على هذه العلل ، أنها تضفي على الفساد نوعا من التغطية والحماية في بلد كل شيء فيه تحكمة ردود أفعال طائفية و مذهبية لعل المثال الأبرز اليوم ، دور المصرف المركزي ومديره لربع قرن ” رياض سلامة ” . إذ فجأة انتقل النقد الجماعي لما يطلق عليه ” الهندسة المالية ” ، من تقييم لضوابطها وحصيلتها ومن استفادة المصارف الأخرى ، وبعض الزبانية ، من الأرباح الهائلة التي راكموها منها ، إلى النقد الاتهامي أو المطالبة بتحقيق جنائي حول معاملات المصرف وثروة المدير وأقاربه . وما يشد الانتباه في هذه النازلة ، أن المدير إلى وقت قريب كان يعتبر من أفضل التكنوقراط وأبرعهم . وها هو اليوم في موقع الاتهام ، وفي والوقت الذي يغلب فيه شعار بحكومة تقنوقراط لتخليص البلد من فساد الأحزاب السياسية . وكان التقنوقراط