آخر الأخبار

الهدم بمكيالين بالنخيل

عملت السلطات المحلية بمراكش، أخيرا تحريك جرافات الهدم للانقضاض على ركام الابنية العشوائية التي تم استنباتها بفضاءات منطقة النخيل الجنوبي الدائرة في فلك النفوذ الترابي لمقاطعة النخيل.
احتمت السلطات بذريعة استغلال مقترفي هذا النوع من الابنية للفراغ الناتج عن الفترة الانتقالية المرتبطة بالحركة الانتقالية لرجال السلطة بمراكش، وبالتالي الرفع من وتيرة البناء خارج القوانين المنظمة للمجال، ما حول المنطقة ككل خاصة على مستوى “دوار السليطين”الى ورش مفتوح لاستنبات وانجاز كم هائل من الابنية الموسومة بصفة العشوائية.
تم تدشين حملة هدم واسعة لبعض ما تم انجازه في هذا الصدد، حيث تحركت قوافل اللجن المختلطة المدعمة بعناصر القوات العمومية، وعملت على الانقضاض على بعض هذه الابنية مثخنة فيها دكا وهدما، وسط احتجاجات الساكنة التي وصفت العملية بالانتقائية، ومحاولة من السلطات المحلية لابراء ذمتها من مسؤولية هذا الفيض من العشوائية، مفنذة بذلك مبرر استغلال الفترة الانتقالية الموما اليها، بدليل ان الحركة الانتقالية لرجال السلطة، لم تمنع اعوان السلطات ومختلف المصالح المعنية بمراقبة البناء من ممارسة مهامهم، وبالتالي نفي ان الابنية المستهدفة حديثة البناء والتشييد.
وقد ظل قطاع البناء والتعمير بمقاطعة النخيل ، يراكم جملة من الفضائح ، ويرشح بالعديد من الأبنية التي يتم استنباتها خارج القوانين والمساطير المنظمة للمجال، حيث تتسابق كل الفئات الإجتماعية لضمان نصيب من الكعكعة،فيما الجهات المسؤولة على امتداد العقود الاخيرة ، تكتفي بمتابعةالوضع دون أن تملك لنفسها سوى تنظيم بعض الحملات الموسمية للإنقضاض على بعض ما تم بناؤءه في إطار رفع العتب.
حقيقة كشفت عنها بعض المراسلات الرسمية ،والتي تؤكد توصل بعض المسؤولين المحليين بالمقاطعة المذكورة بمعلومات من بعض اعوان السلطة تخبر بانطلاق اشغال لإنجاز ابنية  بمؤسسات سياحية، امتدت لتشمل زيادة طوابق خارج القوانين والمساطير المنظمة للمجال، غير أن المسؤولين المعنيين وبدل التصدي لهذه الاشغال والعمل على زجرها وفق منصوصات البنود القانونية، فضلوا اعتماد منطق”عين ميكة” وإدارة الدهر لكل التبليغات المذكورة في إطار تواطؤات أصبحت حديث الخاص والعام،بل امتد الأمر إلى تمكين اصحاب المخالفات من استرجاع معدات ومواد البناء التي كانت تستخدم في انجاز الأبنية الغير القانونية، تم حجزها من طرف المصالح التقنية واعوان السلطة، وبالتالي السماح باستمرار أشغال البناء “على عينيك أين عدي” دون رادع أو وازع.
اتساع مساحة العبث ستكشف عنها كذلك السماح ببناء فيلا بدون ترخيص على مساحة 5000 متر مربع بمدخل حي كنون، حيث عملت الجهات المسؤولة وفي إطار سياسة”عطيني نعطيك”، بإنجاز جدار يفصل بين “دوار مفرج “على مقربة من بعض المؤسسات الفندقية والعقار الذي شيدت فوقه الفيلا، لحجب الرؤية وإبعاد أنظار الفضوليين على أشغال البناء التي لازالت قائمة على قدم وساق، دون ان تكلف أي جهة نفسها عناء التصدي لهذه المشاهد السريالية.
وإذا كانت فوضى البناء والتعمير قدسيجت بعض المؤسسات السياحية والفيلات الأنيقة،فإنها بالمقابل قد فتحت الباب على مصراعيه أمام استنبات  وابل من الدواوير البئيسة التي أصبحت تشكل العلامة المميزة لمقاطعة النخيل، وهو ما تعكسه الأرقام الرسمية نفسها، بحيث انتقل منسوب الأكواخ العشوائية بدوار الحاج إيعيش من 5 أبواب إلى ازيد من68 بابا بالتمام والكمال.دوار اللباط الذي لم يكن يحتضن بدوره سوى 65 بابا،أصبح بقدرة قادر يحتضن ما يفوق 275 بابا، تماما كما هو الشأن بالنسبة لدوار بولعظام الذي انتقل منسوب الأبنية العشوائية بفضاءاته من منزلين إلى ما يربو على68 منزلا.
جملة من الدواوير العشوائية تم استنباتها في إطار تواطؤات لم تعد خافية على احد، وكشفت عنها وثائق وشهادات رسمية،اكد من خلالها بعض المضاربين في هذا النوع من الأبنية على تسخيرهم من طرف بعض القيمين على الشأن المحلي بالمقاطعة، من قبيل تأكيد احد المعنيين بدوار المويجات بالنخيل الشمالي بانه ظل يعمل وسيطا لبعض رجال السلطة وأعوانهم،ويسهر على تسهيل استنبات بعض الابنية العشوائية مقابل مبالغ حددها مابين 40.000 و45.000 درهم، ويتلقى عمولة عن كل عملية قدرها 2000 درهم.
” سير اسكن وغادي نعطيك شهادة السكنى بخبار القايد ،باش تاخد الساس بحالك بحال الناس” شهادة صادمة اكدتها شكاية مواطن سبق له “الاستشارة مع السلطة المحلية في شخص المقدم” قبل الاقدام على اقتناء  منزلا عشوائيا من الوسيط المذكور،ليفاجأ بعدها بجرافات الهدم تنقض على البناء وتحيله أثرا بعد عين في إطار سياسة”اطلع تاكل الكرموس،انزل شكون اللي قالها ليك”.
في هذا الإتجاه يتم اعتماد نفس التقنية التي ترتكز على منهجية تسييج مساحات صغيرة لا تتعدى المتر أو المترين، وترصيعها بأبواب مهترئة لكسب الشرعية، ومن تمة تسخيرها كعصي لعرقلة عجلة تفعيل مشاريع التنقيل والتعويض، تحت بند ” ذوي الحقوق المهضومة”،وبالتالي إجبار الجهات المسؤولة على الدخول في مساومات ومقايضات لإسكات أصوات احتجاجها واستنكارها.
حسب العارفون بخبايا الأمور وما ظل يجري ويدور في هذا المجال فإن المضاربون يعمدون مباشرة بعد انتهاء أشغال البناء إلى عرض “منتوجاتهم” على  بعض الأسر الفقيرة التي تعيش حيرة في إيجاد سكن لائق، مستغلين في ذلك جاذبية قابلية التعويض والتصنيف في خانة المستفيدين المستقبليين من  مشاريع التنقيل المبرمجة.
أصابع الإتهام في انتشارسرطان هذا الكم من الأبنية، ظلت ولازالت تشير  لنفس الاشخاص الذين ينحدرون في مجملهم من أفراد أسرة معينة ، والذين تحولوا إلى عناصر متخصصة في المضاربة بالفضاءات العشوائية، ما تؤكده حقيقة استفادتهم من”ريع” التنقيل ببعض الدواوير المبتوتة على طول النفوذ الترابي للنخيل الشمالي،خاصة على مستوى دوار بوكراع، حيث تم تخصيصهم ببقع أرضية بالمدينة الجديدة تامنصورت ومبالغ مالية، دون أن تقف العملية في وجه عودتهم “لاستيطان” تجمعات عشوائية جديدة،وشروعهم في انجاز أبنية وتسويقها بمبالغ محترمة  تصل إلى حدود 6 مليون سنتيم، تحت ستار الإغراءات المومأ بإمكانية الإستفادة من مشاريع التنقيل المستقبلية .
التساهل وعدم الحزم في مواجهة هذه المضاربات التي تتم “على عينيك،أبن عدي”، شجع العناصر المذكورة على التمادي في نشر وباء العشوائية وفوضى البناء، ما جعل العديد من التجمعات السكنية بمقاطعة النخيل تنطلق من العدم وتتوسع بشكل أصبح يؤثر سلبا على  عموم النسيج المجتمعي بالمنطقة، دون ان تنفع حملات الهدم الموسمية والانتقائية في كبح جماح هذا التنامي المطرد للبناء العشوائي وعشوائية البنا.