آخر الأخبار

الظاهرة الغيوانية على المحك

إدريس المعاشي

الظاهرة الغيوانية جزء لايتجزأ من هويتنا الثقافية التي عايشناها في زمن الفن الجميل والتي اغنت الحقل الثقافي بكثير من الأعمال الفنية الخالدة واستطاعت ان تنهل من ثراثنا الأصيل في قوالب أحيته من جديد وقد فرضت وجودها بالكلمة الدالة واللحن المتميز.في زمن كانت فيه الساحة تتميز بالغنى والتنوع ،لم يكن من السهل فرض الاسم الفني بسهولة.استطاعت ان تبصم على مرحلة مهمة من مسار الفن الذي لازال لحد الساعة يفرض نفسه وسط هذا الكم الهائل من الصخب الالكتروني المدمر و يصمد امامه لازالت الظاهرة الغيوانية تقاوم النسيان والتهميش وكلما حلت مناسبة إلاواسترجعت وهجها وبريقها وجمهورها الوفي الذواق.
ونحن على مشارف نهاية النسخة الحادية عشرة من الظاهرة الغيوانية المنظمة مؤخرا بمراكش وبالتحديد حي لمحاميد اعتبر اغلب المتتبعين هذه النسخة الأسوأ من حيث التنظيم والاخراج وسنبرزفي سياق الحديث كثير من الاختلالات دون ان ننسى توجيه التحية للساهرين على بقاء واستمرارية الظاهرة الغيوانية.لكن سؤال مهم يحاصرنا في لحظة الطرح والدراسة من له المصلحة في محاصرة وحشرالظاهرة في الزاوية والتعجيل بإقبارها إلى النهاية ؟حقيقة لا استغرب من التردي الذي عرفه التدبير القطاعي للثقافة في عهد هذه الحكومة وهو امر مفروغ منه ينسحب على باقي القطاعات ولن تشكل الثقافة استثناء فيه مادمنا قد عاينا وفاة فنان أمام باب وزارة سعادة الوزير .وسمعنا كيف يجيب السيد الوزير الشاب في برنامج حواري بالقناة الثانية على سؤال كيف السبيل لتطوير وانعاش الثقافة من اجل ان تحتل مكانتها اللائقة بها ؟ فكان جوابه الصادم إشارة قوية على أن التعيينات بالمظلة والولاءات كارثة على التدبير العمومي ، لقد ظهر جليا ان وزير الثقافة لاعلاقة له مع القطاع من خلال خلفيته ومؤهلاته وكفاءته حين قارن الثقافة ب (بطاطا ومطيشة) فالسوق .فعلا نحن امام ازمة تدبير وتفكير .
لعل من ابرز الاختلالات التي واكبت هذه النسخة اغلاق باب المسرح الملكي في وجه المهرجان ودفعه لفضاء آخر أقل طاقة استيعابية مما جعل اللجنة المنظمة امام تحدي تدبير مكان يفتقد لكثير من مقومات النجاح ،زد على ذلك تواجده في منطقة شعبية ذات كثافة سكانية والتي جعل الحدث يكشف مدى محدودية تدبير المسؤولين لإنجاز فضاءات مستوعبة للمحيط ،وليس منشأة تناقض اسمها .زد على ذلك افتقادها لكل الوسائل اللوجستية التي تؤهلها لتقدبم عروض في ابهى صورة ينتظرها الجمهور ومن ضمنها الصوتيات التي لم تكن في الموعد فكثرة الأعطاب والتوقفات شوشت بشكل كبير على الحدث .اما التقديم فكان كارثيا بكل المقاييس على الأقل في حلقته الاولى حيث الأخطاءوالارتباك اظهر ان المقدم لم يستفد من خبرته بمافيه الكفاية . باعتباره راكم تجربة في النسخ السابقة ولم تسعفه لحظة التقديم فظهر في وضعية تثير كثيرمن الاشفاق بدل الاعجاب . نتساءل هل مراكش عقيمة لهذا الحد؟ أين هي الأسماء المعروفة والمشهود لها بالكفاءة في التقديم ؟
الدورة عرفت حضور عدة مجموعات تعمق مزيدمن صور الانشطار والتشظي والتفرقة ولاشيء غيره في غياب الحفاظ على الوحدة التي ضحى بها البعض على حساب الذوق والآداء الجميل الذي شكل ذاكرتنا الجماعية ولايختلف اثنان حول قيمة هذا الرصيد الغني الذي لازال يرفع تحديا في الوزن والكلمة لحد الساعة . وشاهدنا كيف توجه الرسائل المشفرة من اجل انتزاع الشرعية حتى غدت المجموعات تنتمي للشخص وليس للمجموعة مع العلم ان قوة حضورها تأسست على تكامل أدوار افرادها وليس الفرد الواحد وزاد من حدثه هذه الأزمة مغادرة مجموعة من الرموز الى دار البقاء .والدورة تنعقد بالمناسبة احياء لذكراهم .
لعل من الطرائف التي رصدتها بشكل ملفت كون مجموعة غيوانية قادمة من البيضاء وهي تغني للمشاهب لم تلق التفاعل المنتظر وبعد جنوحها نوع الشعبي انقلبت الصورة وكثر التصفيق وهي صورة كافية لتشير ان جمهور الظاهرة الغيوانية ضاع وسط هذه الصور .

النسخة 11الأخيرة دقت ناقوس الخطر حول الوضعية الصعبة التي تعيشها الظاهرة الغيوانية .الأمل الوحيد اننا عشنا لحظة مع مجموعة نوارس قادمة من طنجة لتسد فراغ غياب جيل جيلالة في معقلها ومسقط رأسها والتي عرفت مؤخرا فقدان احد مؤسسيها المرحوم مولاي الطاهر الأصبهاني رحمه الله. المجموعة الناجحة هي التي تنتصر على الذات في سبيل بقائها احتراما لجمهورها ووفاء له. فالرهان على الفرد على حساب المجموعة طرح لم يثبث جدواه ومآله إلى زوال .