آخر الأخبار

الشخصيات التراثية في الملحون : قيس و ليلى

سعيد عفلفل 

نعود مرة أخرى لشعر الملحون لنتحدث عن موضوع في غاية الأهمية، موضوع تطرق إليه شعراء الملحون و ذكروه في قصائدهم، وأبدعوا في توظيفه أيما إبداع. وظف شاعر الملحون التراث العربي في شعره وذكر بعض الشخصيات التاريخية المؤثرة، سواء كانت شخصيات حقيقية أو أسطورية. وشاعر الملحون ليس وحده من وظف الحكاية الشعبية و الأسطورة الخارقة في شعره بل نجد هذا التوظيف حاضرا أشعار كل الأمم و الشعوب و الدول.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من أين استقى شاعر الملحون هذه المعرفة حول هذه الشخصيات لا يخفى على أحد أن لدى شاعر الملحون ثقافة واسعة و إلمام كبير بكل ما يحيط به و بكل ما يجري في أمصار بعيدة عن موطنه من خلال اطلاعه و قراءته لكتب السير القديمة و لدواوين الشعراء القدامى. كما كانت الساحات العمومية في مختلف المدن و القرى المغربية تعج برواة السير أو كما يسمون في المغرب، الشيوخ الفداويون، بحيث كانت تتحلق حول الفداوي جموع غفيرة من عشاق السير و الغزوات للإستماع و الاستمتاع بهذه الحكايات. وشاعر الملحون كان هو أيضا يرتاد هذه الحلقات و ينهل مما يسمع و يخزن في ذاكرته كل صغيرة و كبيرة ليوظفها لاحقا في أشعاره.
سأبدأ هذه السلسلة بواحدة من أشهر قصص الحب و العشق التي عرفها التاريخ الإنساني : إنها قصة حب و عشق جمعت بين قيس و ليلى.
وقيس هذا هو قيس بن الملوح، و يكنى قيس المجنون. و ليلى هي ليلى العامرية بنت المهدي، هي ابنة عمه. عاشا في فترة خلافة مروان بن الحكم و عبد الملك بن مروان. جمعت بين قيس و ليلى قصة حب و عشق منذ الصغر، منذ أن كانا يرعيان الغنم سوية. تعلق بها كما تعلقت به. لما شاعت بين الناس قصة حبهما غضب والد ليلى و رفض تزويجها قيسا رغم تدخل والد قيس. و عند سماعه خبر زواج ليلى من شخص آخر، حزن قيس حزنا شديدا و اعتلت صحته وهام في الفلاة، يُرى تارة في نجد و تارة في الحجاز و مرات في الشام، ينشد الأشعار و يأنس الوحوش و يتغنى بحبه العذري. وقد بادلته ليلى الحب حتى ألم بها مرض ماتت بسببه. و حين علم قيس بموتها داوم على زيارة قبرها راثيا لها و لحبها حتى مات هو الآخر.
وظف شاعر الملحون شخصيات العشق و الغرام في شعره للدلالة على سمو حبه و عشقه و أن هذا الحب و العشق يتجاوز بكثير في صفائه و نقائه و إخلاصه عشق هذه الشخصيات الأسطورية.
يقول السي التهامي المدغري في قصيدة الباگي :
” والساق سقاني كما سقى قيس أُو مروْء القيس بن الملوح حكار*** ساق احمر من واضح الجمر *** نحكي بلاّّر فيه شمعة رطلية.”
و في قصيدة الغزييل يقول كذلك :
” و هواه ما تحول * شلاَّ نحمل *صال و خصل *مثل عنترة يوم ميداني *و الفارس العراقي ولاَّ غيلان * والفاني والفاني * بحب ليلى قيس المجنون * مغروم العذرية. ”
ويقول الحاج محمد بن علي المسفيوي في قصيدة حبيبة :
” كيف وقعت لجابر العراقي و كذاك قيس و الغلام العبسي الغربب*** وانا بفكاري الراغبة*** نقول من لشواق ف حضور و غيبة.”
ويقول الحاج إدريس بن علي في قصيدة فضيلة :
” اعتبر بخبار قيس وابن هاشم وما جرى للعراقي يا لغفيل *** عمر شرب الحب ما احلى *** ولا صاب المراد عاشق ف خليلة. ”
في قصيدة القاضي البغدادي هناك ذكر مستفيض لقصة قيس و ليلى مع حوار مثير درامي بينهما. يقول علي البغدادي :
” وقيس المجنون هواه رباني *** قاسى بحب ليلى شلا قاسى عشيق فالكاين واللي كان.
سلّم فالملك وُعاد سيساني*** يصطاد ف القبايل من أرض لأرض يا اهلي جايل ف البلدان.
حتى راد المولى الوحداني *** في ذات يوم معطن تٰمَّا صابها تسقي يالخوان.
قالت هذا عشاق يرعاني*** من غير شك هذا قيس المجنون عاشق الزين بلا كثمان.
قالت ليلى ايَّام الزين * هذا قيس مسكين * سْلَّم فالملاكة واسمح ف اهلُه غبينة العشق إهانة
طلب ليها ضيف الله ف الحين * يعني خاتم اللجين * من بعد ما عرفها و حمد من لا ينام وشكر مولانا
قال ليها يا قرة العين * هادي شهور و سنين * وانا بنار حبك نتضرع للكريم من فيه رجانا
قالت ليلى يا راحة بداني *** مهَّل عليك يا محبوبي حتى نجيك بالك تضحى دهشان
نمشي للحلَّة عند قوماني *** حتى نصيب منهم غفلة و نجيك هادَّة ما باقي تَوْنان
تعرفني بين اهلي و رقباني *** نخاف لا يشمتو لك و بيا عداي بين بنات العربان
سارت و بقى لعشيق حيراني *** يرجى فْ عهدها حتى كمل عام بالحساب ايَّام و ديجاني
ما ذاق طعام و لا شراب ثاني *** صيفُه مع خريفُه شتوا و ربيع و الكريم المولى عوَّان
حتى ولاَّ فْ اللون سوداني *** و نبت الربيع ف طرافُه قال اهل السجية و اهل الديوان
العرب رحلت وْ رْبات وطياني *** ليلى دَّاوها و بقى قيس من لشواق يتفگدها ولهان. ”
صورة لقيس بريشة الأديب جبران خليل جبران و منمنمة فارسية تجسد أسطورة قيس و ليلى