آخر الأخبار

الزمن البسيط

إدريس بوطور.

لا أحبذ أن أصف الزمن السالف الذي عشته في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي بالزمن الجميل بل أفضل وصفه بالزمن البسيط حيث البساطة في كل التفاعلات سواء كانت طقوسا او عادات او انماطا للحياة اليومية المعيشة ، هذه البساطة هي التي تنطوي على جمالية الزمن الماضي وهي التي كانت تبث اللذة والمتعة في كل شيء ، ويكفيني أن أسوق بعض الامثلة للدلالة على ذلك ** كان الكتاب عملة نادرة بالنسبة لعاشقي المطالعة والقراءة أنذاك ، وعندما يحصل الواحد منا على كتاب معين يعيش متعة خاصة ومميزة ، كنا ننتظر الاعياد بشوق شديد وخاصة عيد الفطر حيث موعدنا السنوي مع ثياب جديدة رغم بساطتها ** كان الانصات الى المذياع من المتع السمعية الجميلة وخاصة عندما يتعلق الامر بالقسم العربي للاذاعة البريطانية من لندن وصوت العرب من القاهرة ** كان برنامج ” قول على قول ” على أثير لندن لمعده الراحل حسن الكرمي مصدرا لإغناء ثقافتي اللغوية والشعرية ، كما كان برنامج ” عصر من الغناء” على أثير صوت العرب من القاهرة لمعده الراحل جلال معوض مصدرا لإغناء ثقافتي الموسيقية الاصيلة ** عندما كان والدي رحمه الله يهيئ امتعة سفرنا الى البادية لقضاء العطلة الصيفية كان الراديو grundig من أهم الامتعة التي يحيطها بعناية شديدة حتى تصل في أمان ، ونظرا لعدم توفر باديتنا أنذاك على الكهرباء فقد كانت تستعمل بطارية من نوع berec متوفرة على مأخذ prise للطاقة وهي على شكل لبنة البناء (بريكة) ثقيلة الوزن , وعندما نصل الى المنزل بالدوار لا بد من تركيب اللاقط الهوائي antenne في أعلى البيت وتمتين اسلاكه ليتم تشغيل الراديو. ويحضر لدينا عدد من الجيران للانصات والاستمتاع وهنا تكمن الجمالية ** بلغت عشربن سنة من عمري سنة 1970 وكنت انذاك طالبا بالمدرسة العليا للاساتذة بالرباط، اشتربت جهاز تسجيل صغير ” كاسيت” لا يمكنني الآن وصف المتعة التي كنت اجدها عندما اقتنص تسجيلا لمحمد عبد الوهاب او ام كلثوم عن الراديو او من صديق عزيز ، وهنا تكمن الجمالية ** في حين وفي اواخر السنة المنصرمة اشتريت قرصا مدمجا mp3 من احد الباعة المتجولين ” الفراشة ‘ يحتوي على 110 مقطوعة واغنية لمحمد عبد الوهاب بخمسة دراهم ، هذا العدد من الاغاني قضيت لجمعه في سبعينيات القرن الماضي ثلاث سنوات على اشرطة كاسيت ** مجمل القول أن جمالية الزمن الماضي ومتعته تكمن في بساطته وفي المعاناة والنصب ( بفتح النون وتشديدها وفتح الصاد ) للحصول على المتوخى والمنشود وهو ما يختصره الامام الشافعي في عجز بيت شعري بقوله ( وانصب فإن لذيذ العيش في النصب ) ٪ ****:الصورة المرفقة لراديو اشتريته سنة 1972 عندما اصيب راديو grundig الآنف الذكر بعطب مزمن وما زال هذا الراديو على الصورة يؤثث خزانتي وهو جهاز متين وقوي في التقاط الاذاعات الخارجية.