آخر الأخبار

الخريف فصل التمور و الخير و البركات بالجنوب الشرقي

زايد وهنا 

تمور و أشواك

النخيل من الأشجار المباركة المذكورة في أكثر من موضع في القرآن الكريم ، تنتج تمورا مختلفة أنواعها حجما و شكلا و لونا و مذاقا ، قد تفوق ست مائة نوع .و هي فاكهة لذيذة غنية بالكثير من العناصر المعدنية و الفيتامينات مما يجعلها تتربع على عرش الفواكه ، و لا تنازعها في قيمتها الغذائية أي فاكهة أخرى ، أكلها إذا انفردت بنفسها مقوي لذيذ ، لا يقل لذة إذا شفعت بغيرها من لبن و نحوه ، كما أن عصيرها مفيد و حلوياتها مرغوبة ، و هي الفاكهة الوحيدة التي تخزن لوقت طويل دون أن يلحقها تلف إلا إذا كانت رطبا ، و الرطب هي صنف من التمور تنضج قبل الإبان المعروف الذي هو بداية الخريف و هذا الصنف ينبغي تناوله في أقل من أسبوع على جنيه و إلا لحقه التلف ، و هو أغنى التمور من حيث القيمة الغذائية ، و لعل قصة مريم العذراء و أكلها للرطب عند ولادة عيسى عليه السلام أبلغ دليل على منفعتها .

للنخيل منافع أخرى غير ثماره ، فخشبه يستعمله القرويون في تسقيف بيوتهم و سعفه مطلوب في بعض الصناعات التقليدية كالحصائر و الأطباق و غيرها .

شجرة النخيل هي الشجرة الأكثر علوا و شموخا في بيئتها ، تنمو في المناطق الحارة الجافة ، لأنها تتحمل العطش خصوصا عندما تغور جذورها في التربة ، لذلك ينتشر النخيل في الواحات على طول الشريط الجنوبي للمغرب ، حيث التربة و المناخ الملائمين لنموه و إثماره .

كل هذه المنافع التي يجود بها النخيل لا تجنى بسهولة كما يظن من لا خبرة له به ، فأشواكه من أعتى الأشواك صلابة و ألما ، فلا يمكن أن يمر موسم تلقيحه أو جنيه دون إصابات تكاد تكون مميتة أحيانا ، فإذا نجا صاحبه من السقوط ، فقد
لا ينجو من لسعات أشواكه المؤلمة .

هذه المعلومات التي ذكرناها ليست بالشيء الغريب ، إذ أن جل الناس يعرفونها ، و لكن الشيء الأكثر غرابة و الذي لا يعرفه إلا قلة منهم ، هو التشابه العجيب بين النخيل في عطائه و أهله في طباعهم ، و هو الأمر الذي لا يلحظه إلا ذو رؤية نافذة و فكر حصيف سبق له أن عاش في تلك الواحات أو أكثر من زيارتها و مخالطة أهلها .

فإذا كان النخيل يجود بكرم خيراته ، فإن الكرم مؤصل في أهله حتى صار مضرب المثل في كل البقاع .

النخيل يشرئب بهامته نحو الشموخ و لا يرضى أن يفوقه شجر آخر في السموق ، فكذلك أهله يسعون للأفضل في التنافس على القيم السامية في عزة و كبرياء قل نظيرهما .

أشجار النخيل تمورها مختلفة الأشكال و الأحجام و الألوان و الأذواق ، و هي في نفس البقعة من الأرض و رغم هذا الاختلاف فلا نعوت استهزائية بينها ، و هو الشيء نفسه عند أهلها ، أجناس مختلفة و لهجات كثيرة و أعراف و تقاليد متنوعة و رغم هذا و ذاك فهم كالعائلة الواحدة ، لا يسخر بعضهم من بعض ، يتضامنون في السراء و الضراء.

حقا للنخيل أشواك ، و لكنه لا يلسعك بها إلا إذا أسأت التصرف في التعامل معه سواء في التلقيح أو الجني ، و كذلك أهله فإلى جانب صبرهم و كرمهم و تسامحهم و صفاء سرائرهم و قيمهم الفاضلة عموما ، ينبغي أن تحترس من إذايتهم سيما إذا حاولت المس بأعراضهم أو ارتميت على أرزاقهم ، فقد يلسعونك لسعا يفوق لسع أشواك النخيل ألما، لأنهم يجعلون الكرامة فوق كل اعتبار أعرفت الآن لماذا التشابه التام بين النخيل و أهله؟أعرفت الآن لماذا يقال الانسان ابن بيئته ؟ أعرفت الآن لماذا أسمي أنا ذلك الشريط ب” واحات القيم”.