آخر الأخبار

التنمر المدرسي

د العبدلاوي العلوي سيدي محمد

ان الحديث عن التنمر المدرسي لم يعد ترفا فكريا ولا جدلا فلسفيا يمكن تناوله بين الفينة والأخرى لما نراه من آثاره الجسيمة والمدمرة على الأطفال على المستوى النفسي فضلا عن علاقاتهم المجتمعية التي تنسف من أصولها، سيما وهم في أعمار الورود.

ففي عام 2002، أطلقت منظمة الصحة العالمية مصطلح “العنف المدرسي” (School Violence) للتعبير عن ظاهرة التنمر والعنف داخل المدارس، وذلك لإبراز خطورة هذه الظاهرة وتشجيع الحكومات والمنظمات على اتخاذ إجراءات لمكافحتها، وتشير بعض الدراسات إلى أن الفئات الأكثر عرضة للتنمر المدرسي هم المتعلمون الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقلية، والمتمدرسون  الذين ينتمون إلى الأقليات العرقية أو الجنسية، والطلاب الذين يعانون من ضعف الأداء الدراسي،  مما يجعل الأطفال المعرضين للتنمر المدرسي أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وغيرها من المشاكل الصحية على المدى الطويل، كما يمكن أن يؤدي التنمر المدرسي إلى انسدادات نفسية واجتماعية واقتصادية للأطفال، حيث يمكن أن يؤثر على قدرتهم على التفاعل مع الآخرين والتحصيل الدراسي وتحقيق أهدافهم في المستقبل.

يمكن العثور على أمثلة للتنمر في العديد من الثقافات والمجتمعات في التاريخ فليس التنمر وليد وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، في اليونان القديمة، كان هناك ما يعرف بـ “التنمر الأخلاقي”، والذي كان يتمثل في استخدام السخرية والهجاء والتشهير لإذلال الأشخاص الذين يعتبرون أقل قدرًا من الآخرين بسبب خصائص جسدية أو عقلية معينة، ففي القرن التاسع عشر أيضا، كان التنمر شائعًا في المدارس وتظهر بعض الروايات مثل “توم براون” للكاتب مارك توين ، مواقف للتنمر والإذلال.

وفي عام 2002، أطلقت الأمم المتحدة حملة عالمية لوقف التنمر بمناسبة اليوم العالمي للتنمر المدرسي والذي يصادف 20 أكتوبر من كل عام، وذلك بهدف التوعية والتحفيز على اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف التنمر والحد من آثاره السلبية، ويستمر العمل حتى اليوم على مستوى العالم للحد من التنمر وتشجيع المجتمع على العمل على الحد من هذه الظاهرة.

وتعد دراسة التنمر ومكافحته من الموضوعات الهامة في العصر الحالي، ويعمل العديد من الباحثين والخبراء والناشطين على تطوير إستراتيجيات للحد من هذه الظاهرة السلبية وتوعية الناس بخطورتها والحد من انتشارها، يشير تقرير لمنظمة الصحة العالمية إلى أن التنمر المدرسي يؤثر على الأسرة والمجتمع بشكل عام، حيث يمكن أن يزيد من الانفصال العائلي والمشاكل الاجتماعية والنفسية للأطفال وأولياء الأمور

ان التنمر المدرسي هو نوع من أنواع العنف الذي يحدث في البيئة التعليمية، حيث يتعرض التلاميذ والطلاب لسلوكيات عنيفة ومتكررة من قِبَل زملائهم في المدرسة فيشمل التنمر المدرسي الإيذاء اللفظي أو الجسدي، والتهديد، والتحرش، والعزلة الاجتماعية، ونشر الشائعات، وغيرها من السلوكيات الضارة التي تؤثر على الضحايا عاطفياً ونفسياً وأحياناً جسدياً، ويستخدم هذا السلوك العنفي أو التحريض أو الاستهزاء أو الاستبعاد أو التجاهل أو الإساءة اللفظية لاستهداف الضحايا الآخرين وتقليل شعورهم بالاحترام والكرامة والاعتبار داخل المدرسة، والذي قد يؤدي في بعض الحالات إلى آثار وخيمة على الصحة العقلية والتنمية الاجتماعية والأداء الأكاديمي للتلميذ، مما يستوجب التوعية بأضرار التنمر المدرسي ومساعدة المتعلمين على التحدث عن أي تعرض لهذا النوع من العنف، وتعزيز البيئة الدراسية التي تحترم التنوع وتشجع الاحترام والتعاون بين الطلاب.

 يعتبر التنمر المدرسي من المشاكل الاجتماعية الخطيرة التي تؤثر على صحة الطلاب النفسية والجسدية والعاطفية والاجتماعية. فعلى الرغم من أنه قد يحدث في أي مكان، إلا أن المدارس هي المكان الذي يحدث فيه التنمر المدرسي بشكل أكبر وأكثر تأثيرًا على المتعلمين.

 

ومن الناحية الاجتماعية، يؤدي التنمر المدرسي إلى تقويض العلاقات الاجتماعية للمتعلمين ويوحي اليهم بالسلبية المجتمعية والنظرة السوداوية للواقع الذي يعيشون فيه سيما وهم في مرحلة الإيجابية الفاعلية والانفتاح على المحيط والحياة المدرسية ومن ثم الى الحياة الواقعية، فماذا ينتظر من طفل دمر عاطفيا ووجدانيا ونفسيا مسقبلا، بل كيف يمكن لهؤلاء أن يكونوا صالحين مصلحين في مجتمعهم، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار، لذلك يعد التنمر المدرسي مشكلة جادة تتطلب اهتمامًا وتدخلًا فوريًا من جانب الجميع، وخاصة المؤسسات التعليمية والأهل والمجتمع ككل.

ويمكن الحد من التنمر المدرسي من خلال تطوير سلوكيات إيجابية وداعمة للتعايش السلمي في بيئة التعليم، وتشجيع الطلاب على الابلاغ عن أي تعرض للتنمر سواء للأسرة أو الإدارة التربوية، وتعزيز القيم والأخلاق التي تحترم الآخر وتشجع على التعاون والتسامح، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب الذين يعانون من التنمر، وتدريب المعلمين والإدارة المدرسية على كيفية التعامل مع حالات التنمر والوقاية منها.

التنمر لا يمكن ربطه دائما بالمدرسة مطلقا لان انتقاله الى المدرسة يدل دلالة واضحة أن أصله نابت من المجتمع فليس الحقل التربوي إلا فضاء طبق فيه التنمر المجتمعي بصيغة طفولية وفق المراحل العمرية للمتعلمين.

فلا يوجد تاريخ محدد لظاهرة التنمر، فقد كانت موجودة في المجتمعات منذ بعيد، ولكن مع تزايد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التنمر أكثر وضوحاً وتأثيراً في حياة الناس.

التنمر المدرسي هو نوع من أنواع التنمر الذي يحدث داخل بيئة المدرسة أو خارجها ويتضمن سلوكًا متعمدًا من قِبَل الطلاب أو المعلمين أو الموظفين في المدرسة أو الأهل.

  واغلب أنواع التنمر المدرسي شيوعا هو التنمر اللفظي والجسدي، فأما التنمر الجسدي فيتضمن هذا النوع من التنمر الاعتداء المباشر على الضحية بواسطة الضرب أو اللكم أو الدفع أو الركل أو الضرب بأي أداة صلبة مثل العصي أو الأدوات الحادة. 

أما التنمر اللفظي: فهو عندما يتم استخدام الكلمات الجارحة والتهكم أو التحريض أو الاستهزاء أو الاستبعاد أو التجاهل أو الانتقادات اللاذعة والإساءة للضحية الإساءة اللفظية لاستهداف الطلاب الآخرين والتلميح إلى النقص والعيوب الشخصية وتقليل شعورهم بالاحترام والكرامة والاعتبار داخل المدرسة،  وكلما زاد المستوى التعليمي زادت أنواع التنمر الأخرى الى القائمة، فينضاف- التنمر الإلكتروني  وهو عندما يتم استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الهاتف الجوال والبريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي للتنمر على الضحية ويمكن أن يحدث هذا النوع من التنمر في أي مكان وفي أي وقت.

 لكن السؤال الأبرز كيف يمكنك معرفة أن ابنك يعاني من التنمر المدرسي؟

توجد العديد من العلامات التي يمكن أن تشير إلى وجود التنمر المدرسي. ومن بين هذه العلامات:

1- التغيّر في سلوك الطفل: يمكن أن يتغيّر سلوك الطفل المتعرض للتنمر، حيث يمكن أن يصبح أكثر انطواءً، أو يبدأ بالتصرف بطريقة عدوانية أكثر، أو يصبح أقل موضوعية في تقدير ذاته مع الانفعالات القوية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى المشاكل في التعامل مع الآخرين وزيادة مستويات التوتر والقلق.

 

2- التغيّر في الأداء الأكاديمي: يمكن أن يؤثر التنمر المدرسي على الأداء الأكاديمي للطفل، حيث يمكن أن يصبح أقل تركيزًا على الدراسة، وأقل إقبالا على إنجاز واجباته المنزلية، أو يتعرض لصعوبات في التعلم وفهم المواد الدراسية، أو يبدأ بالتغيّر في سلوكه داخل الفصل.

3- الانعزال والانطوائية: يمكن أن يؤدي التنمر المدرسي إلى الانعزال والانطواء، ويمكن أن يبدأ الطفل بتجنب الأنشطة الاجتماعية والجماعية داخل الفصل او عدم القيام بها داخل المنزل مثل: الرياضة أو الفنون.

4- الإفراط في استخدام الهاتف الجوال ووسائل التواصل الاجتماعي: يمكن أن يستخدم الأطفال الذين يتعرضون للتنمر المدرسي وسائل التواصل الاجتماعي كطريقة للابتعاد عن المشاكل التي يواجهونها في المدرسة.

5- التغيّر في نمط النوم: يمكن أن يؤدي التنمر المدرسي إلى التغيير في نمط النوم، حيث يمكن أن يصبح الطفل أكثر صعوبة في النوم أو الاستيقاظ في الصباح.

6- الصداع وآلام المعدة: يمكن أن تشير الأعراض الجسدية مثل الصداع وآلام المعدة إلى وجود التنمر المدرسي.

إذا كنت تلاحظ أياً من هذه العلامات عند طفلك، فمن المفروض أن توليه اهتماما أكبر لتدارك ما يمكن تداركه.

 وتشير الاحصائيات الحديثة إلى أن التنمر المدرسي يشكل مشكلة عالمية ومتزايدة. وفيما يلي بعض الإحصائيات المهمة حول التنمر:

وفقًا لتقرير لليونسكو، فإن نسبة التلاميذ المعرضين للتنمر المدرسي تتراوح بين 10 إلى 50 في المئة في معظم الدول.

يتعرض حوالي 1 من كل 3 تلاميذ للتنمر المدرسي في مرحلة ما من حياتهم الدراسية، ويتضرر حوالي 130 مليون طفل سنويًا.

وفقًا لتقرير لمنظمة الصحة العالمية، يمكن أن يؤثر التنمر المدرسي على الطلاب في جميع أعمارهم وفئاتهم الاجتماعية والاقتصادية الثقافية.

يعاني الأطفال المعرضون للتنمر المدرسي من انخفاض في مستوى التحصيل الأكاديمي وفي التحصيل الدراسي بشكل عام، وقد يعانون من الاكتئاب والقلق والانعزال الاجتماعي.

وفقًا لتقرير لليونيسف، فإن التنمر المدرسي يؤثر بشكل أكبر على الفتيات بمعدل 18 في المئة مقارنة بالأولاد الذين يتعرضون للتنمر بمعدل 14 في المئة.

 

تشير بعض الأبحاث إلى أن التنمر المدرسي يمكن أن يؤدي إلى زيادة مخاطر الانتحار بين الطلاب، حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أن حوالي 30 في المئة من حالات الانتحار عند الشباب تتعلق بالتنمر المدرسي.

 

    تشير الإحصائيات إلى أن الإجراءات الفعالة للوقاية من التنمر المدرسي يمكن أن تحد من هذه المشكلة، حيث أن برامج التدريب الخاصة بالطلاب والمعلمين والإدارة المدرسية يمكن أن تساعد في تقليل نسب التنمر داخل الوسط المدرسي.

 وفقًا لتقرير للمركز الوطني للتعليم في الولايات المتحدة، فإن 20 في المائة من التلاميذ الأمريكيين يتعرضون للتنمر المدرسي.

 وفقًا لدراسة أمريكية حديثة، فإن التلاميذ الذين يتعرضون للتنمر المدرسي يتراجع معدل تحصيلهم الدراسي بشكل كبير مقارنة بالتلاميذ الذين لا يتعرضون للتنمر

يعتبر السلوك التمييزي أو العنصري جزءًا من التنمر المدرسي، وفقًا لتقرير لمنظمة الصحة العالمية، ويعاني منه نحو 10 في المائة من التلاميذ في بعض البلدان.

وفقًا لتقرير لليونيسف، فإن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي قد زادت من انتشار التنمر المدرسي، ويتعرض العديد من الأطفال للتنمر عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي