آخر الأخبار

البشير بن علال رسم الحياة المنفلتة للقبض على الموروث

محمد آيت لعميم

الفن في جوهره محاولة دؤوبة للإمساك بالمنفلت، والهارب باستمرار، بذلك القبس الذي يلتمع وسط تجاويف الذات، هو رغبة ملحاحة للهبوط إلى المياه العميقة القابعة في الباطن. ثم يأتي بعد ذلك الشكل الذي نصب فيه هذه الالتماعات، شكل لا ينفصل عن طبيعة مضمون خاص، و الأحوال التي تتلبس الفنان لحظة انخطاف، إذ يصبح التعبير عنها ضرورة، و إخراجها من حيز القوة إلى الفعل، إرغاما قسريا، حينها فما يبدعه الفنان، أو يعثر عليه في خزانة ذاكرته البصرية و عوالمه الجوفية يصير له معنى، يتقاسمه مع الآخر. ليجذبه إلى مناطق الضوء و إلى ظلال المعاني و اكتشاف العادي. إذ عالم الأشياء تعتريه فترة و تحجبه العادة و كثرة الاستعمال، ليأتي الفنان محاولا إزالة الغبار الذي يخفيه، و يصقل الصدأ الذي تراكم عليه حتى يصبح مثل قطعة معدنية تلمع.

إن الفنان المغربي البشير بنعلال من خلال تجربته الفنية التي تراكمت ، و برزت ملامحها الأسلوبية ، يتموقع في فضاء تشكيلي برزخي ، حيث يتخذ موضوعاته الفنية من الحياة اليومية ، و من العادات و التقاليد المغربية الأصيلة و من العمارة المغربية ذات العمق التاريخي ليصوغ هذه العناصر في شكل فني يتسم بنوع من الكتابة الفنية ذات المسحة الحلمية . لوحاته ممتلئة بالشخوص في حالة فرح و احتفال ،و يختار لمحكياته التشكيلية فضاءات مفتوحة ، حيث تجري أحداث المحكي التشكيلي في فضاءات ذات تخيل فردوسي ، و لذلك يكثر في لوحاته الإحالة إلى النباتات و الأشجار و البساتين ، هذا المتخيل الجناتي يضفي على لوحاته مسحة حلمية ، و كأن الأحداث في اللوحة عبارة عن حلم سعيد تمكن الفنان من القبض عليه أثناء الحلم.

فهو يعمد لكسر الواقعية ، وتغييب المنظور ، مستفيدا من الرسم الشعبي الذي يعتمد على ملأ اللوحة و غياب الظلال و جعل الألوان هي المسيطرة في فضاء اللوحة ، فالشخوص عبارة عن ألوان تتجاور و تتحاور فيما بينها عاكسة بذلك طبيعة الموضوعات المرتبطة بالاحتفال و بالاستماتة في احياء تقاليد في طريقها إلى الاندثار ، و تبئير النظرة على تقاليد ما زالت مستمرة إلى اليوم.

إن الطابع الإحتفالي ، و الإعتناء بالعادات و التقاليد ، الذي يشترك فيه الرجل و المرأة ،و التركيز على العنصر النباتي و العمراني الأصيل ، كلها عناصر اضفت جمالية خاصة على اللوحة عند البشير بنعلال، الذي تمكن من أن يحافظ على هذا الموروث و أن يبعث من جديد تجربة والده الرائد الفنان محمد بن علال. لكن هذا البعث فيه بصمة الفنان الشاب البشير بن علال هذه البصمة تظهر في اللمسة الخاصة لبناء الشخوص، سمة تكاد تتواتر حيث النظرة دائما إلى الأعلى، و ضربات الفرشاة تنحو نحو التنقيط، و إغراق اللوحة في فضاء ممتلئ غالبا ما يكون العنصر النباتي و البشري هو المهيمن. مما يجعل تجربته تعي جيدا أن مسؤوليتها في البحث عن الخصوصية من خلال هذا الحوار المستمر مع التجربه الفنية لأسلافه. و هذا الإحساس بمسؤولية الإبداع في داخل الموروث هو حافز قوي لخلق الصوت الشخصي. وهذا ما يلمسه المتتبع للتجربة الفنية لدى البشير بن علال فهو دائم البحث عن صيغ و عن محكيات تشكيلية لها صلة بالموروث و العادات و التقاليد ، و بأشكال فنية تتقاطع في تجارب عديدة، في أفق الرسو عند أسلوب خاص مميز.