آخر الأخبار

الإساءة والإحسان في حق من حكم مراكش-26-

العبور الثالث والرابع إلى بلاد الأندلس

ولما كانت سنة 484 -1092 م اجتاز أمير المسلمين الجواز الثالث بعدما كان الجواز الأول سنة 479 -1087 م وهو تاریخ وقعة الزلاقة أما الجواز الثاني ، فكان سنة 481 – 1090 م وكان من أجل إنقاذ مسلمي حصن البيط والقضاء على ملوك الطوائف وإنزالهم عن عروشهم . وأما الجواز الثالث فقد كان من أجل تعيين إدارة جديدة وتثبيت حكم الدولة على هذه الأرض ، أما الجواز الرابع والأخير فقد كان سنة 496 ه – 1104 م وكان ذلك من أجل التجول على كافة بلاد الأندلس والوقوف على تحقيق مصالحها والنظر في المظالم وكان الأمير يوسف في هذه الزيارة مرفوقا بأبنائه أبي طاهر تميم وأبي الحسن علی وفي هذه السنة أخذ الأمير يوسف البيعة لولده أبي الحسن علي وكان ذلك بمدينة قرطبة من بلاد الأندلس فيبايعه جميع أمراء لمتونة وأشياخ البلاد وفقهائها.
وفاة أمير المسلمين
في أخر سنة 498 ھ –1107 م مرض أمير المسلمين يوسف وهو بمراكش فاشتد عليه المرض وبدا حاله يضعف إلى أن توفي رحمه الله في شهر محرم سنة خمس مائة وقد بلغ من العمر إحدى وتسعين سنة إذ كان ازدیاده 409 ه – 1107 م ودام حكمه ثمانية وأربعين سنة قضى معظمها في الجهاد ضد الكفار وأعداء الأمة الإسلامية ، ويعتبر ابن تاشفين بحق تاج الدولة المرابطية السنية التي قامت على توحيد الله عز وجل والعمل بسنة نبيه الأعظم ، وإن مراكش ليحق لها أن تفتخر على باقي مدن المغرب بأن بناها مجاهد أتاه الله من الحكم في هذه الربوع ما لم يوت أحدا قبله .
الخبر عن أمير المسلمين ابن تاشفين وإنجازاته
هو يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتوني الصنهاجي وأمه بنت عم أبيه واسمها فاطمة بنت سير بن یحیی بن وجاج بن وارتقين . ازداد سنة 409 ه -1017 م بقبيلة لمتونة من صنهاجة في تخوم الصحراء ولا يعرف شيء عن طفولته ، نشأ وترعرع في لمتونة وهي قبائل صنهاجة ، وكان رجلا شجاعا ، مجاهدا في سبيل إعلاء كلمة الحق ، كما كان عادلا دینا ، صالحا ورعا ، كان يعظم العلماء ويشاورهم ولا يقطع أمر إلا بإذنهم ، وكان كثير الخوف من الله تعالى أكثر عقابه الاعتقال . وكانت قرة عينه الصلاة ، كما كان يطيل في السجود والتبتل إلى الله عز وجل ، وكان إذا خاض في حديث أو أطال ، قطع المجلس وتوضأ وصلى ركعتين لله . وكان زاهدا في الدنيا وزينتها ، يلبس الصوف ويأكل القليل من لحم الجمال ويشرب حليبها .
كان معتدل القامة ، أسمر اللون خفيف العارضين دقيق الصوت . تزوج بزينب النفزاوية وكانت ذات دهاء وجمال ورزق منها بأبي طاهر تمیم ورقية وكانت له زوجة من أصل رومي تسمى فاض الحسن رزق منها بابي الحسن علي وتميمة وأبي بكر وفي أيامه كان يخطب لبني العباس على المنابر وهو أول من سمى بأمير المسلمين .
إنجازاته

من إنجازاته العظيمة بناء مدينة مراكش على تقوى الله وشيد بها قصر الحجر ومسجد عظيمة بجواره وقد شارك في البناء بحمل الحجر والطوب إسوة بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بناء المسجد النبوي بالمدينة المنورة . كما شيد دارة الأهل العلم والفتاوى وديوانا لتسيير الإدارة وكل ما يتعلق بمصالح الناس كما شيد قرب المكان تحت الأرض مخزنا عظيما لخزن ممتلكات الدولة من أمتعة وأقوات وأسلحة وألبسة وأغطية وكل لوازم الدولة الناشئة ، وكانت به أروقة ” لاهريا ” وكل رواق يختص بنوع من السلع المخزونة وكانت إدارة خاصة تتألف من عدة أمناء حريصين على دخول وخروج السلع من المخزن وكان لا يتحرك الأمناء إلا بأمر من ديوان الأمير يوسف بقصر الحجر . ومكان هذا القصر الآن هو عبارة عن خرائب بجوار مسجد الكتبيين أما المدينة العتيقة فقد وقع تخطيطها من طرف متخصصين في البناء وشق الطرق وتحديد الأزقة والأحياء . وكان أول حي شيدت به دور سكنية هو حي هيلانة وحي الدباغين وكان كل حي يشتمل على عدة دروب والدرب هو مجموعة دور تجاور بعضها البعض ويغلق بباب محكم يفتح قبل صلاة الفجر بقليل ويغلق بعد صلاة العشاء بساعة أو ساعتين ومن حسن حظ مراكش أن بجوارها نهرين الأول : وادي إسيل والثاني وادي تانسيفت والمياه في هذين النهرين تكاد لا تقطع طيلة السنة ، وهو ما لا نراه اليوم ، فأقيمت من حولهما البساتين الغناء والعراصي الزاهية ، فكثر زرعها وضرعها وأثمرت فواکهها وكثر خضرها . وقد سبق أن أشرنا إلى هذا . هو أول أمير استطاع أن يوحد البلاد ويجمع بين المغرب الأقصى والمغرب الأوسط وبلاد تونس وما جاورهما ، وكذلك بلاد الأندلس بعدما أخرج الكفار منها ، وقهرهم ، وفي أيامه ساد العدل وعم الأمن وازدهر العلم النافع وأفل الظلم ولبس أهل البدعة والظلال ثوب الخزي والعار . لقد بني أمير المسلمين يوسف دولة الحق على أسس شرعية ولذلك اهتمت بالعلماء والفقهاء الذي لا دوام لدولة تحكم بشرع بدونهما هذا نزر قليل مما قام به أمير المسلمين الذي وافاه الأجل المحتوم في ربيع الأول من سنة خمسمائة من هجرة الرسول الموافق ل 1109 م