آخر الأخبار

الإساءة والإحسان في حق من حكم مراكش-19-

الحسبة والمحتسب
نظرا للدور الكبير الذي كانت الموازين والمكاييل والمقاييس تضطلع به في الحياة الاقتصادية والتجارية فقد أوكل أمر هذه الأشياء إلى شلم تتوفر فيه الصفات اللازمة التادية هذه المهمة كالتقوى والورع والأمانة والزهد ، وسعة اطلاعه على الأحكام الشرعية وكانت هذه الشخصية تدعى بالمحاسبة وهو من تسند إليه مهمة تحديد الأسعار ، كما ترفع إليه كل القضايا التي يمكن أن تضر بكل من الفلاح والتاجر والمستهلك ، كما يتحكم في جميع ما يباع ويشترى وهو من يعين او يوافق على تعيين أمناء أسواق البيع والشراء والحرف وحصر عددهم ولا يمكن أن يزداد أو أن يقبل أحد في ممارسة مهنة أو حرفة إلا إذا كان من أهلها ونال شهادة من الأمين تمكنه من موافقة المحتسب وكانت ترفع له الشكايات من طرف الصناع والتجار والمحترفين وكان يبث فيها ويستشير الأمناء قبل إصدار الأحكام التي يسهر على تنفيذها قاضي الجماعة وكان المحتسب يعين بموجب مرسوم من أعلى سلطة في البلاد كالخليفة أو أمير المؤمنين ، وآخر محتسب مارس الحسبة في مراكش هو ” أبا علي ” وكان ذلك بأمر الملك الحسن الثاني رحمه الله سنة 1980 م ، ومع الأسف استبدلت الحسية بما يسمى مراقبة الأسعار وأستد أمرها لموظف بالعمالة فساء وضعها وأصبحت عنوانا للمحسوبية والزيونية والارتشاء ولا أحد يستطيع أن يبوح بكلمة حق : ” وإنا لله وإنا إليه راجعون ” أرجع لأقول إن هذه الفترة الزمنية الممتدة من سنة 460 م -1070 م إلى غاية 479 م – 1090 م كانت حافلة بالمنجزات العظيمة ، بحيث في هذه الفترة بالذات استطاع الأمير يوسف بأن يوحد بين أقطار المغرب الكبير وأن يقلع بالبلاد إلى مصاف الدول المهابة . كما كانت هذه الفترة مطبوعة بالأمن والرخاء . وأحب الناس بعضهم بعضا في الله وساد بينهم النصح والتسامح تلك هي الأجواء التي عاشت فيها مراكش في أول عهدها تحت قيادة رشيدة صالحة ومباركة ، وقد جادت السماء في هذه المدة بأمطار الرحمة والخير ، وجرت الأودية حول مراکش بمياه منعشة ، فاخضرت الربي والبقع وأثمرت البساتين وكثرت المحاصيل وعاشت مراكش في أبهى حللها تحت قيادة رجل يخاف الله ويلتزم بتطبيق شرعه .
العبور إلى الأندلس
في سنة 479 ه – 1090 م حدث أن ابن عباد المعتمد ، وهو ملك من ملوك الطوائف بأرض الأندلس ، وكان يحكم مدينة إشبيلية بجنوب البلاد ، وكان يؤدي الجزية الألفونسو السادس ملك قشتالة هو وباقي أمثاله ممن فرقوا البلاد إربا إربا وأصبحوا يؤدون الجزية الملوك الكفر بعدما كان أسيادهم يقبضونها منهم ( عبد الرحمان الناصر وعبد الرحمان الداخل ) ، ولما تأخر المعتمد عن الدفع طلب منهم أن يتنازل عن بعض الحصون لصالح ألفونسو عقابا له عن التأخير وأرسل له أمره مع يهودي الذي أغلظ في القول على المعتمد فثارت حمية هذا الأخير فوجه له ضربة قوية فأرداه قتيلا ، وكان وقتها ألفونسو السادس وحليفه سانشو الثاني ملك أرغون يفكران في انتزاع المزيد من المدن التي كانت بيد ملوك الطوائف رغم تأدية الضرائب السنوية والقيام بمحاربة المسلمين بطلب من الكفار فابن عباد تحالف ملك قشتالة ضد أخيه المسلم یحیی بن ذي النون ملك طليطيلة حتى سقطت المدينة في أيدي الكفار سنة 478 ھ –1089 م فلما بلغ ألفونسو السادس مقتل رسوله من طرف المعتمد أقسم بيمينه النصرانية أن لا يعود إلى بلاده حتى يقضي على ابن عياد ويدمر بلاده . وفي ظل هذه الأجواء الملتهبة أجمع ملوك الطوائف على الاستغاثة بالأمير يوسف بن تاشفين فكاتبوه وأرسلوا الوفود إليه يطلبون منه المساعدة ويحتمون به ضد عدوهم الذي طمع في بلادهم وأرزاقهم كما جاء ابن عباد بنفسه إلى فاس يطلب من الأمير أن ينتصر للمسلمين بالأندلس مما يخططه التحالف النصراني ضدهم وكان ذلك أخر سنة 479 ه