آخر الأخبار

احداث الهند الدامية و مسلسل العداء للمسلمين – 3 –

عبد الله العلوي 

الإسلام في الهند

قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ” عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية يستعط به من العذرة، ويلد به من ذات الجنب ” .

       ويقصد الرسول عليه الصلاة والسلام عود الكسط أو القسط الهندي، مما يدل على أن الهند كانت معروفة، ولديها علاقة تجارية مع جزيرة العرب. وأن الرسول عليه السلام كان على معرفة جيدة بها، حتى في ميدان الأدوية.

وقال الشاعر كعب بن زهير ـــ في مدحه عليه السلام ـــ

      إن الـــرســـول لــســـيــــف يــسـتـضـــــاء بـه

                                   مـهــنـــد مـــن ســـيــــوف اللــه مـــســلــــــــــــــول

في هذا البيت قرن كعب بين نور الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والسيف أو الحديد الهندي.

وقال أبو الطيب المتنبي:

       وظــلـــم ذوي الــقـــربـــى أشـد مـضـاضـة

                            عــلـــى الـمــــرء مـــــن وقـــــع الـــحــســام المهــنــد

وليست كلمتا القسط والمهند فقــط اللتـــان دخلـتـــا اللغة العربية، بل كلمات عديدة مثل: هند، و “برمك “ التي تعني ” رئيس “ في الهندية، ” بهار “ التي تعني توابل، وشطرنج وهي كلمة معروفة، وقد انتقلت من العربية إلى اللغات الأخرى، والفوطة، وكشري، وغيرها من الكلمات القديمة والحديثة.

وهذا راجع إلى العلاقة العربية / الهندية التي تعود إلى مئات السنين قبل وبعد الإسلام، وإلى التجارة التي ترسخت بين شبه القارة الهندية والجزيرة العربية. أما بعد الإسلام فإن العلاقة العربية / الهندية تطورت بشكل كبير، خصوصا بعد حكم المسلمين للهند 1193-1857. وفـي الـعــصـــر الحديث بعد ظهور حركة عدم الانحياز، ومن خلال كتاب جواهر لال نهرو” لمحات من تاريخ العالم “، والذي أشار فيه إلى مجمل الدول العربية، تتضح المعرفة العميقة للهنود بالعالم العربي.

الفتح العربي الإسلامي للهند

         لم يكن التواجد الإسلامي مبنيا على الفتح فقط، بل لعب التجار العرب المسلمون دورا هاما في نشر الإسلام، بالإقناع والقدوة الحسنة، مع الإشارة إلى كون الجزيرة العربية كانت تربطها علاقة تجارية واسعة بالهند، في مرحلة ما قبل الإسلام، وذلك راجع لقرب المنطقة، وكون الهند تقع في الجانب الغربي على بحر العرب. فقد تواجد المسلمون في الهند بالكجرات وفي السند، وإن كان هذا التواجد شبه رمزي يتمثل في بناء بعض المساجد. إلا أن الوجود الإسلامي كسلطة في الهند، لم يبدأ إلا بعد المرحلة التالية لسنة 38 هجرية ( 659 م ). عندما جهز الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حملة لفتح بلاد الهند للإسلام، ومن المعروف أن الإمام علي كرم الله وجهه تزوج سيدة من مناطق السند، ــ بعد وفاة فاطمة الزهراء رضي الله عنها كريمة الرسول عليه الصلاة والسلام ــ ، والتي اشتهرت باسم الحنفية وأنجبت له ابنه الفقيه الجليل محمد ابن الحنفية ــ رضي الله عنه.

         وقد كانت هناك حملة قبلها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في عام 23 هجرية (644) وكلتا الحملتين لم تعرف استقرارا وتواجدا مستمرا. لكن الوجود الإسلامي الأهم بعد هذه المرحلة، كان الحملة التي قادها محمد بن القاسم الثقفي، بتكليف من والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان قد تولى ولاية العراق في عام 695 في خلافة عبد الملك بن مروان والوليد 711-715م والتي عرفت تركيز الوجود الإسلامي في السند على الأخص، وتم تأسيس حاضرة إسلامية هي مدينة المنصورة، وجاءت حملة السند هذه بعد صراعات بين المسلمين والهند، وصلت إلى درجة الاقتتال، مما انعكس سلبا وأدى إلى عودة الهندوس إلى المناطق التي سبق للمسلمين العرب السيطرة عليها. وقد لافت حملة محمد بن القاسم نجاحات هامة، وتمت السيطرة على عاصمة السند الملتان، وهي من أهم مدن السند آنئذ، وتم تأسيس قلاع عسكرية، وعرف الإسلام انتشارا نسبيا بين الهندوس والبوذيين، خصوصا أن الجيش العربي الإسلامي استعان بأبناء البلد في الحكم والتسيير الإداري. وفــي سـنــة 715 توقـف الفـتـــح في مناطــق السند على مشارف البنجاب وكشمير الحاليتين، ولا تعرف أسباب هذا التوقف على وجه الدقة، فالبعض يعزوه إلى عزل محمد بن القاسم الثقفي قائد الحملة المحنك، الذي استدعى في ظروف سيئة من طرف سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي الذي خـلـف الـوليد بن عبد الملك في نفس السنة ، وكان الخليفة الأموي سليمان يكن عداءا خاصا للحجاج وأهله، ورغم أن الفرد قد تكون له أهمية في بعض الأحيان. فإن عزل محمد بن القاسم من قيادة الجيش العربي الإسلامي في الهند ليس السبب الوحيد، فالحملة واجهت صعوبات جغرافية أمام جبال كشمير وواجهت أيضا تناقض مراكز القرار والتكاليف الباهظة والصراع واختلاف القرارات باختلاف الخلفاء في مركز السلطة في دمشق، الشئ الذي انعكس على الحملة التي اكتفت بالتواجد في بعض المدن الصغيرة، وأهمها مدينة المنصورة، والتعايش القلق مع الهندوس بطوائفهم. ومع الأسف فرغم كل هذه الظروف فإن الذي عرقل الفتح هو صراع المسلمين فيما بينهم، الذين كانوا يدينون بالولاء لبني أمية، وكان الخلفاء في دمشق يعينون أمير المنطقة، وكان الأمير منصور الكلبي آخر الأمراء الأمويين، ودخلت المنطقة في صراعات بعد تولي العباسيين السلطة، وانتقال مركزها إلى بغداد، وكانت الإمارة السندية الإسلامية تناضل في شروط صعبة، خارجية وداخلية وفي وسط عدائي، وجاءت نهاية هذه الإمارة العربية في عام 1155 إلا أن المسلمين الغزنويين وقبل 1155 والقادمين من أفغانستان الحالية وكذلك الغوريين، الذين خلفوهم في غزنة، قاموا بالمرحلة الثانية الأهم لفتح بلاد الهند للإسلام، وقد حاولوا المحافظة على علاقتهم الاسمية بالخلافة العباسية. وكان خلفاء بني العباس يبعثون بمراسيم التكليف لملوك الهند. وسوف نلاحظ أن حرص المسلمين الهنود على المحافظة على علاقتهم الاسمية بالخلافة في دمشق ثم بغداد سيمتد فيما بعد إلى المناداة بالارتباط بالخلافة في الاستانة، أي مع الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، وأثناء الصراع ضد الاستعمار الإنجليزي والخلاف بين المسلمين الهنود حول البقاء مع الهند المستقلة عن انجلترا، بأكثريتها الهندوسية، أو تأسيس دولة جديدة والحنين إلى ماضي المسلمين في الهند، عندما كانوا في السلطة ومرتبطين ولو شكليا بالخلافة العباسية.