آخر الأخبار

تــأمــلات ســـعــد ســـرحــان (5)

في “مرايا عمياء”، يكتب الشاعر سعد سرحان عن الشعر، هَمِّهِ الأثير، وأداتِه المصطفاة لتناول العالم من حوله كما لو أنه وجبة لا تنتهي، فيبسط الهمَّ ذاكَ في أكثر من نص، ويصقل الأداة تلكَ في غير ما صفحة.ويدافع الشاعر عن اختياره: الكتابة الشذرية، فيجعل من الأصيص صنوًا للغابة، ومن الحصاة ندًّا للجبل. ولأنّ الشعر أخذ العدالة عن اللغة التي أنجبته، فلا بد أنّ الشذرة أخت الملحمة: أختها الكبرى على الأرجح.وينبِّه الأديب في كتابه الجديد إلى أهمّية التنقيح في الشّعر كما في غيره من الفنون. وإذ يشبِّه الأمرَ بتشذيب الشجر الذي يسمح بإعادة توزيع الأنساغ، لا يفوته أن يشير إلى الظّلال وما تصير إليه بعد التشذيب. أمّا اليد التي تشذب فهي عند الشاعر وصيفةُ المخيلة.”مرايا عمياء” عبارة عن دعوة كريمة من الشاعر إلى قلب ورشته القصيّة، حيث الشعر ليس موهبة فحسب، وإنما هو صناعة أيضًا يأخذها الشاعر عن الصمت، وحذق يأخذه عن الأناة…وعلى امتداد صفحات الكتاب، يُفحمنا سرحان بأن الشعر بصيرٌ جِدًّا، وحتى من دون عصابة على العينين، فهو لا يرى نفسه في ما حوله : فكل ما حوله مرايا عمياء.

شكرًا للشاعر العميق سعد سرحان على الحفر في هذه المنطقة،منطقة الكتابة.فما احوجنا إلى الكتابة عن الكتابة من طرف الكتّاب انفسهم، لا من طرف النقاد فقط وشكرًا “لهيسبريس” على إفرادها حيّزا كهذا للادب وشؤونه.