آخر الأخبار

جماعة مخالفة و جماعات مجذفة – 4 –

هذا وقد بدأت الأفكار الإسماعيلية، بالخلاف حول من يتولى الإمامة بعد جعفر الصادق، موسى الكاظم أم محمد بن إسماعيل؟ ثم التأسيس لأفكار جديدة. ودخلت جماعات لا علاقة لها أصلا بآل البيت، وادعت أنها من سلالة علي وفاطمة، وكان على رأسهم المهدي أحد دعاة الإسماعيلية، ادعى في البداية أنه من نسل عقيل بن أبي طالب، شقيق الإمام علي. ولكن بعد رحيله إلى افريقيا، وتأسيسه دويلة في جزء من الجزائر وتونس الحاليتين، اتخذ لنفسه نسبا جديدا، زاعما أنه من سلالة علي وفاطمة، وأسس أبناءه الدولة الفاطمية بعد سيطرتهم على مصر، التي بقيت سنية رغم ذلك. ولقد تم تأسيس الدولة الإسماعيلية الأهم في العالم الإسلامي، والتي لاعلاقة لها بآل البيت إلا باستغلال الاسم. علما أن حسن الصباح –توفي في 1142م– أسس هو الآخر دويلة إسماعيلية صغيرة في إيران في منطقة تدعى “آلمُوت” أو عش النسر، وكان ذلك بعد الخلاف الذي تجدد بين المستعلي ونزار، حول من يتولى الخلافة أو الإمامة منهما، فبعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر في 1094 م، انقسم الإسماعيليون بين من أيدوا ابنه الأكبر منصور نزار، ومن أيدوا أخاه المستعلي بالله، الذي تولى الخلافة رغم أن المستنصر أوصى بخلافة نزار كما تذكر مصادر الذين عارضوا المستعلي بالله، واسمه قبل الخلافة أحمد أبو القاسم. وقد تمكن نزار من أن يعلن نفسه خليفة في مدينة الإسكندرية التي لجأ إليها في 1095م، ولقب نفسه المصطفى لدين الله، إلا أنه انهزم في معركة في نفس السنة وتم اعتقاله ثم قتل. وعلى إثر هذا انشقت جماعة ورفضت خلافة المستعلي بالله متمسكة بأن الخلافة لنزار، منهم جماعة حسن الصباح الذين حكموا آلموت، وتجاوزوا مبدأ الخلافة واعتبروا الأئمة فوق الأنبياء. وكان أحد خلفاء حسن الصباح واسمه حسن في 1164م، قد أعلن القيامة وألغى الشعائر. وقد أطلق على سكان آلموت اسم الحشاشين من طرف خصومهم، لأنهم يتناولون الحشيش ثم يأمرهم شيخهم حسن الصباح أو غيره بقتل واغتيال خصومه. وقد دخلت كلمة الحشاشين إلى اللهجات الأوروبية مع الحروب الصليبية -وأصبحت ” أساسان Assassin  – “، وكان خصومهم وغيرهم كالرحالة ماركو بولو –توفي في 1325– قد وصفوهم بالحشاشين، بيد أنهم لم يكونوا كذلك، وإنما يتعلق الأمر بعقيدة بلغت درجة القيام بأعمال الاغتيال بجرأة لا ينجو منها القاتل نفسه، فالتكوين وغسيل الدماغ والتربية، كلها تؤدي إلى قيام الشخص بأي فعل يطلبه زعيمه. وقد عرف التاريخ مثل هذه الأفعال في كوريا واليابان، وانتقلت إلى العصر الحديث فيما يعرف بالعمليات الانتحارية، وبعد مرحلة حسن الصباح، شهدت سوريا مثل ذلك بقيادة الاسماعيلي راشد بن سنان  –توفي في 1193 م-. الذي كان يبعث مبعوثيه لقتل خصومه، إذ حاول اغتيال صلاح  الدين الأيوبي وغيره من القيادات الإسلامية والصليبية، بنفس الطريقة التي وضع أسسها حسن الصباح في آلَمُوتْ.

وقد استغلت بعض القيادات في المنطقة ذلك لاغتيال بعض منافسيها، ونسب ذلك إلى الحشاشين. وكانت الجمهرة العامة من الناس تعتقد أن هذا الفعل (أي القتل بشكل انتحاري) لا يمكن أن يقدم عليه إلا شخص تم تخديره. وزادت القصص التي رواها ماركو بولو الذي مر بالمنطقة مع أبيه وعمه في طريقهم إلى الصين، من انتشار هذه الحكايات ذات الطابع المثير.

لقد توزع الاسماعيليون في عدة مناطق من العالم الإسلامي، واختلفت أسماؤهم في كل منطقة، فهم القرامطة في البحرين، وهم الفاطميون في مصر، وهم النزاريون في آلمُوتْ، وهم النصيريون في سوريا. وقد تم القضاء على القرامطة بعد قيامهم بالهجوم على مكة، وسرقة الحجر الأسود في سنة 930 م. وجرَوا عليهم عداء العالم الإسلامي بشكل نهائي، ولم يتعاطف معهم أحد بعد ذلك، رغم ادعاء كونهم حركة اجتماعية، فالواقع أنهم جماعة من الملاحدة ليس لهم فكر موحد ويعيشون فوضى فكرية ليس إلا.

كانت كل جماعة تتأثر بجغرافيتها الخاصة، وبالأفكار والعقائد القريبة منها جغرافيا. وكان للهندوسية، والمزدكية، والمسيحية، وحتى اليهودية، تأثيرٌ على تلك الجماعات في سياق معاداة الكل للدولة الإسلامية، سواء كانت أموية أو عباسية. وبالتالي صارت أفكارهم خليطا من عقائد و أفكار الجماعات، و الأفراد الذين انخرطوا فيها، وكانت هي في حاجة إلى المعارضين، ترضي كل من وقف في مواجهة الدولة التي تستغل الناس، و تستعبدهم وتستثني في المعارضة قاعدة توارث آل البيت الحكم، التي قادتها جماعات مختلفة لها أسس إسلامية واضحة مثل الزيديين (ثورة زيد بن الإمام زين العابدين)، والطالبيين (ثورات الطالبين كلهم)، اللذين كانوا يرفعون شعارات الإسلام والقواعد التي قام عليها، وهي توزيع الثروة على الجميع، وبناء دولة الإسلام على الشورى وحماية المستضعفين في الأرض مهما اختلفت أعراقهم ودياناتهم. وقد فشلت هذه الثورات، لكنها مع استمرارها أدت إلى تآكل دولتي الأمويين والعباسيين، وإلى تمزيق الإمبراطوريتين، وتأسيس دول إسلامية في مختلف الأصقاع تحمل نفس الشعارات.

تبقى الجماعة التي ظهرت إثر الخلاف الذي نشب حول الخلافة في سقيفة بني ساعدة. وهذه الجماعة هي المُرجئة، الذين اعتبروا الصحابة كلهم سواسية، يحظون برضا الله، و أرجأوا أمر محاسبتهم إلى يوم البعث أو يوم القيامة. وهذه الجماعة التي تقدم الإيمان على العمل، لم يخوضوا في الخلاف حول الأحق بالخلافة، ولم يتخذوا موقف تأييد لأي من الطرفين، وإن كان الموقف يصب في مصلحة الأمويين بشكل غير مباشر، وتعتبر المرجئة الأساس التاريخي لما عرف فيما بعد بالسلفية أو السنة عامة، ظهرت المرجئة في الجناح السني، واعتمدت أفكارها في توسيع تأييد الاتجاه الذي يرتكز على احترام السلف الصالح، واعتبارهم على حق في مجموعهم دون الخوض في الخلافات التي تؤدي إلى الانشقاقات.