آخر الأخبار

تقديم كتاب محمد بن ولي الله – 2 –

شحيمة عبد الصادق

تقديم كتاب الإساءة والإحسان

في حق من حكم مراكش من النشأة إلى الآن

لقد سبق للمؤرخ والمفكر المغربي المغربي عبد الله العروي في مشروعه الحداثي المعتمد على مبادئ الفكر التاريخي ( صيرورة الحقيقة – إيجابية الحدث التاريخي – تسلسل الأحداث -مسؤولية الأفراد ) وعلى التاريخانية (حتمية المراحل التاريخية – وحدة الاتجاه -إمكانية اقتباس الثقافة – دور المثقف والسياسي في اقتصاد الزمن ) وهو يكتب مقدمة النص العربي لكتابه مجمل تاريخ المغرب (ملاحظات حول تجديد التاريخ )
أن قدم خريطة طريق ومنهج بأدوات ومفاهيم منهجية قال بصددها “إن التاريخ التقليدي بناء عتيق تهاوت منه جوانب كثيرة بعضها بسبب تناقضات ذاتية وبعضها الآخر من جراء نقد خارجي ، فوجب كنس الأنقاض قبل الشروع في بناء يخلفه ،هذا العمل التطهيري هو ما رمت القيام به ” مجمل تاريخ المغرب  ج1 /ص 25 .لنختم هذ التقديم بالتساؤل التالي : إلى أي حد استفاد المؤلف مما يمكن أن نعتبره توجيها منهجيا للأستاذ عبد الله العروي ،خاصة أن المدة الفاصلة بين نشر الكتابين تقارب الخمسة عقود ( يعود نشر الطبعة الأولى لكتاب عبد الله العروي إلى سنة 1970 .

عنوان الكتاب  : الإساءة والإحسان في حق من حكم مراكش من النشأة إلى الآن :

تشتم من خلال عنوان المؤلف رائحة وعبق الكتابة التراثية اعتمادا على نمطية سادت وكادت تصبح بمثابة تقليد أو عرف يصعب الخروج عنه ،تتمثل في حضور بلاغة البديع عبر محسن السجع في كل ما كتب وصيغ من عناوين ،وكأن من الشروط الضرورية لصياغة هذه الأخيرة هو أن تكزن مسجوعة ،على اعتبار أن أول ما يجذب المتلقي
و يستقطبه هو ذلك الجرس الموسيقي الرنان والإيقاع الجذاب ،والظاهرة إياها
لا تقتصر على مجال معرفي دون آخر ،وإنما تشمل شتى صنوف المعارف ،ويمكننا التمثيل لذلك على سبيل المثال لا الحصر بالعناوين الآتية :الإتقان في علوم القرآن – صبح الأعشى في كتابة الإنشا -الآثار الباقية عن القرون الخالية – العباب الزاخر واللباب الفاخر -ترويح الأرواح ومفتاح السرور والأفراح – تحفة النظار في عجائب
الأمصار وغرائب الأبصار …..حيث يظهر من خلال هذه الأمثلة أن الوظيفة الإيقاعية بناء على توافق فواصل الكلام على الحرف ذاته ،قد حققت . وبالنظر إلى نوعية السجع  في المؤلف من  جهة الوزن العروضي يتضح أن المؤلف قد اعتمد ما يسمى بالسجع المطرف   ،وهو السجع الذي تختلف فيه الكلمتان الأخيرتان من كل جملة في الوزن وتتفقان في الروي ،وسمي كذلك لأن التوافق بين الفاصلتين قد وقع في الطرف،
وفي هذا النوع  لا ينظر إلى الوزن ،بل فقط ينظر إلى الحرف الأخير في فواصل الكلم
( الإحسان = الآن ) .

أما عن جهة الكم (الطول والقصر ) فيتضح أن العنوان يندرج ضمن السجع القصير ،فالجملتان اللتان وقع فيهما السجع مؤلفتان  من كلمتين : الإساءة + الإحسان  و من النشأة + إلى الآن ) .

وبالابتعاد قليلا عن زاوية اللفظ في السجع والاقتراب من جهة المعنى والدلالة تستوقف قارئ العنوان الثنائية الضدية إساءة  /إحسان وعلاقتها الوثيقة بالمنظومة القيمية الأخلاقية ،إضافة إلى مراكش التي أزاحت كلمة المغرب وحلت محلها .

تحتل كلمة الإحسان باعتبار دلالتها الدينية المرتبة الثالثة بعد الإسلام والإيمان،
وتعني ” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك “وهو نوع من أنواع الإحسان في علاقة العباد بخالقهم ،وبجانبه وبجواره هناك الإحسان في حقوق الخلق ،ومفاده بذل جميع المنافع من أي نوع كان ،لأي مخلوق يكون ،،وطبعي أن ننتبه إلى النسبية
في كلا النوعين ،وخاصة في النوع الثاني تبعا للمحسن إليهم ،ودرجة إيمان المحسن بالنظر إلى علاقته بمفهوم الرؤيا المشار  إليه، والدولة الديمقراطية .