آخر الأخبار

قراءة في كتاب التجربة و الرؤيا : عبد الكريم الطبال نموذجا لعبد اللطيف سندباد – 2 –

إن ما يهم الباحث من الاستعراض السابق هو الملاحظات الآتية :

1-لم يكن القصد من التتبع إياه ،اختيار هذا المنهج أو ذاك ،إذ جميعها في نظره تصدر “عن رؤية سابقة في الذهن وسابقة عن المنهج .”

2-تظل المناهج في مجملها مستندة إلى التصور المنهجي  الجاهز ، والمحدد التقنيات الإجرائية مع القواعد المضبوطة التي حسب تعبير الباحث لا يمكن التصرف فيها …

ضمن الإدلاء بما سبق يورد الباحث  تحديدا لكلمة “منهج”،  اعتمد  فيه على قول الدكتور أحمد الطريسي أعراب  :” المنهج عادة ضبط الوسائل التقنية والأدوات الإجرائية واستخلاص قواعد عامة “…

وبناء عليه يرسم معالم تعامله المنهجي مع قصيدة “مرآة ” للشاعر الكبير عبد الكريم الطبال ،مفاده :”أن مواجهة القصيدة المغربية المختارة “مرآة ” …قصد استخراج نمط بنائها الفني وقواعدها العامة لا يتم في حدود الإسقاطات المنهجية الجاهزة ،ولا التصنع في التوجيه التعسفي للنص ،بل لابد من جهود تحليلية لترويض ما به ينبثق النص الشعري المغربي “مرآة ” ….  ولا يتأتى ذلك للمحلل إلا بامتلاك قنوات مادية حس عقلية وروابط نفسية روحية بينه وبين الشاعر ….” ص30

ضمن هذا الإطار يحدد الباحث منهج تعامله ليؤكد في نهاية الفصل الأول على مراعاته لما يلي :

1-النص من حيث هو نشاط فني وسيرورات تفاعلية .

2- النص بما أنه بناء تركيبي تشكيلي ينطلق من لحظة ويعبر عن حقائق كونية متعالية وإنسانية محايثة .

3-تعطي العملية التحليلية للخطاب الشعري اهتماما بالغا للتصور النظري في إطار نظرية الأدب العامة  إذ المحلل في نظره أثناء تتبعه وتحليله للعمل الأدبي يجد نفسه  “في غمرة الأساس النظر ي

بدلا من أن يكون معطى سلفا أو معلنا عنه في نهاية التحليل ” ص31 .

وبالانتقال إلى مفهوم التجربة الشعرية ينكب اهتمام الباحث على مفهومين محوريين  يشكل أولهما مدار الفصل الثاني وهو مفهوم التجربة الشعرية أو ما يصطلح عليه بمصدر الإبداع ودوافعه ،ويختزلها في رؤى ثلاث :

تتلخص الرؤية الأولى في ما اصطلح عليه بنظرية الإلهام المعتمدة على قوى خفية ،أما الرؤية الثانية فتتمثل في ما سمي مع فرويد وعلماء النفس باللاشعور سواء أكان فرديا أم جمعيا ،في حين أن الرؤية الثالثة تندرج ضمن ما يعرف بالنظرية الاجتماعية ومفادها أن علة الإبداع تكمن في حاجة المجتمع في ظرف تاريخي معين إلى من يبلور الأبعاد الاجتماعية والتاريخية في صور فنية .

وضمن حديث الباحث عن هذه النظريات وتفسيرها لعلة الإبداع ،ينبه إلى التجربة الشعرية باعتبارها معاناة ،قلما حظيت بالعناية والاهتمام رغم كونها فيصلا بين أعمال إبداعية خالدة، وأخرى خبرية محسوبة على سابقتها ،كما يقع التنصيص على علاقة التجربة بالعالم الخارجي ،حيث تتشكل من خلاله عبر طرح ظواهر وقضايا وانتقادها أو البحث  عن حلول لها ،إضافة إلى طبيعة العلاقة بين السابق واللاحق عبر ما سماه الباحث بحدود الذاكرة مضافا إليها حدود الواقع .

أما عن المفهوم الثاني الذي خصص له الفصل الثالث، فهو مفهوم” الرؤيا الشعرية بوصفها تجسيدا “حيث يستعرض دلالة المفهوم إثباتا ونفيا مع مجموعة من النقاد والشعراء ( صلاح عبد الصبور – اعتدال عثمان -منصف عبد الحق -أحمد الطريسي -أدونيس )، وهو  ما مكنه من التمييز  في نهاية الفصل بين رؤيا إنتاجية ورؤيا إبداعية، وهذا التمييز  تركه يبعد عن الرؤية الشعرية الإبداعية ما توصل إليه أدونيس وهو يحددها تحديدات مختلفة منها قوله :” تغيير في نظام الأشياء وفي نظام النظر إليها ” ص58 .