آخر الأخبار

سوق المحروقات بالمغرب بين جشع المافيا وغياب دولة الحق والقانون

يوسف الطالبي 

عملا بمقتضى قانون تحرير سوق المحروقات بالمغرب، كان من المفترض أن تنزل أسعار بيع هذه المواد بمحطات التزود بهذه المادة الحيوية ببلادنا بما يناهز درهما و خمسة عشر سنتيما ابتداء من يوم الجمعة 15 /7/ 2022، وذلك نتيجة تراجع اثمان النفط في السوق الدولية، فقد بلغ ثمن البرميل 93 دولارا للبرميل بعدما كان وصل 120 دولارا خلال المدة المنصرمة، إلا أن شيئا من هذا لم يحصل، فقد بقيت أسعار البيع المعلنة هي نفسها والتي تتناسب حسب العملية الحسابية المعتمدة لتحديد أثمنة البيع للمستهلك مع الاسعار الدولية القديمة لمدة تجاوزت اسبوعا كاملا في بعض المحطات.

وتذرع الموزعون بضرورة الانتظار حتى نفاذ المخزون المقتنى بالسعر القديم قبل تغيير التسعيرة، إذ حسب دفعهم لا يعقل أن يبيعوا سلعة اشتروها بثمن مرتفع بثمن أقل من ذلك.

مبررات الموزعين تندرج ضمن خانة الحق الذي يراد به باطل، إذ أن هذا الاعتبار لا يعملون به في حالة ارتفاع الأسعار، لما يجلب لهم من أرباح إضافية جراء بيع المخزون المقتنى بثمن أدنى بثمن أكبر، و يشهد عدد من

مستهلكي هذه المادة كيف جعلتهم إدارة المحطات ينتظرون حتى يتم تعديل إعدادات مضخات التزويد، مباشرة بعد توصلهم برسائل من الشركة الأم تحدد الثمن الجديد للبيع دون انتظار نفاد المخزون.

وتداول مستعملو الواتساب صورا مختلفة لمحادثات بين ملاك ومسيري محطات لبيع المحروقات يحثون بعضهم على الحفاظ ثمن البيع المرتفع حتى نفاد المخزون قبل تغييره.

ومن المفيد التذكير هنا أن والي بنك المغرب قد اعترف بالاختلالات الكبيرة بين السعر الدولي للنفط وثمن بيعه للمستهلك بمحطات التوزيع.

هذه الوقائع هي وقائع بالغة الخطورة وذات دلالات سياسية واجتماعية واقتصادية وقانونية، إذ تكشف عن مدى تغول المافيا وتحكمها في دواليب الاقتصاد، وهو الأمر الذي تفاقم خلال مرحلة ما بعد حكم الحسن الثاني، مرحلة تميزت بإعلان الزواج الرسمي بين السلطة والثروة، وصار الحاكم هو الفاعل الاقتصادي الاول في النسيج الاقتصادي الوطني، مما أثر على محتوى الاختيارات السياسية والاقتصادية وسن قوانين تشرعن الاحتكار واطلاق اليد في قطاعات حيوية ومنها قطاع المحروقات، حيث تم تفويت استيراد وتخزين النفط حصريا لثلاث شركات دون غيرها، شال و ڤيڤو وافريقيا المملوكة لرئيس الحكومة، وكان ذلك على عهد حكومة العدالة والتنمية الأولى برئاسة عبد الاله بنكيران، والتي قدمت هذا القانون وقوانين تصفوية أخرى ضاربة للمكاسب الاجتماعية كقرابين من أجل الظفر بثقة المخزن والبرجوازية والفوز بكرسي ضمن نادي خدام الدولة، وهو الأمر الذي لم يدركه الحزب، حيث تم التخلص منه بطريقة مهينة بعدما تم تشويه صورته بالترويج لسقطات قيادييه الأخلاقية وتلطيخ يده بالتوقيع على السياسات النيوليبرالية المتوحشة. ولعل المتابعين للشأن العام بالمغرب يذكرون المشهد الكاريكاتوري للراحل محمد الوفا بالبرلمان وهو يقسم بالله على وطنية الشركات الخمسة عشر العاملة بالسوق المغربية للمحروقات، في سياق طمأنة الرأي العام وإقناعه بقوانين تحرير الأسعار.

وعلى المستوى الاقتصادي كشف سلوك موزعي المحروقات عن سلوك احتكاري يجرمه القانون، إذ يدخل في خانة الاحتكار الممنوع كل تنسيق بين ممولين لنفس الخدمة او السلعة، وهو ما قام به ملاك ومسيرو محطات بيع الوقود من خلال المحادثات التي دارت داخل مجموعاتهم المهنية على الواتساب. والأنكى من ذلك ألا تتدخل لا النيابة العامة ولا مجلس المنافسة من أجل ردع المخالفين، مما يمس بخطاب الدولة حول دولة الحق والقانون، ويعري ضعف الدولة أمام المافيا الاقتصادية وكونها رهينة لديها.