آخر الأخبار

الــشـاعـر عـلـي بــن الـجـهــم

إدريس بوطور

( أنت كالكلب في حفاظك للود ** وكالتيس في قراع الخطوب ** أنت كالدلو لا عدمناك دلوا ** من كبار الدلا كبير الذنوب ) *************************** كلمة “الذنوب ” في عجز البيت الثاني بفتح الذال هي صفة لاتساع الدلو وغزارة مائه ** البيتان أعلاه للشاعر علي بن الجهم (188 /249 هج) ، والخطاب موجه الى الخليفة العباسي المتوكل (205/ 247هج) ** سبق لي التفاعل مع هذين البيتين في احدى تدويناتي السالفة ، ونظرا لأهمية حمولتهما الأدبية والاجتماعية فقد آثرت اعادة إثارتهما للتركيز على المغزى المتمثل في أهمية ودور البيئة الطبيعية والاجتماعية في صناعة وتربية الانسان والتأثير على أخلاقه وسلوكه ورصيده اللغوي ** علي بن الجهم شاعر من بادية بغداد ، وفد على مجلس الخليفة العباسي المتوكل لمدحه والتقرب منه . جاء في قصيدته هذان البيتان وقد كانا كافيين لتعرض الشاعر علي بن الجهم لأوخم العواقب بتهمة سب الخليفة والحط من قيمته ومكانته ، إلا أن الخليفة المتوكل فهم القصد من التشبيهات الواردة والمستنبطة من حياة ووسط البادية . إثر ذلك أمر الخليفة بإكرام وفادة الشاعر وذلك بتوفير إقامته ببغداد في منزل ببستان على شاطئ دجلة ردحا من الزمن . وبعد ذلك مثل أمام الخليفة المتوكل منشدا قصيدة تذوب رقة وجمالا وتعتبر من عيون الشعر العربي عبر تاريخه ، يقول مطلعها ( عيون المها بين الرصافة والجسر ** جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري ** أعدن لي الشوق القديم ولم أكن ** سلوت ولكن زدن جمرا على جمر ) . فالشاعر هو نفس الشاعر الذي وصف الخليفة بالكلب ، لكن الذي تغير لديه حتى أصبح بهذه الرقة هو البيئة الطبيعية والاجتماعية من بيئة بدوية قاسية الى بيئة ذات بساتين ومياه جارية وخضرة دائمة طيلة السنة /