آخر الأخبار

مراكش الف حكاية و حكاية لعبد الله العلوي

الدقة المراكشية

تسمى الدقة المراكشية ، ولكن أهازيجها ونغماتها جاءت كما يشاع من تارودانت . ومع مرور الأزمنة تحولت إلى مراكشية صرفة ، خصوصا مع التغيـر الـذي لـحـق كلماتها ، يؤكـد بـاحثون أن الدقة المراكشية هـي فـن مراكشي صـرف ، بدليل الاختلاف الشاسع والبين بين لنغماتها ونغمات الرودانية ، فضلا عن اختلاف الكلام أو الكلمات ، وقـد حرصـت الفـرق المراكشية الهاوية على تطويرهـا ، باعتبارهـا جـزءا مـن الفلكولـور الـشـعبي المراكشي ، وكل حي من أحياء المدينة يشكل فريقا خاصا بالدقة ، وفي مستهل كل سنة هجرية -وبمناسبة عاشوراء تجري منافسات بين هذه الأحياء ، وتراقب لجنة خاصة عزف الفرق وأدائها ، وتقرر فـوز إحداها بالجائزة التي هي عبارة عن ” تعريجـة ” مصنوعة من الفضة أو مغلفة بها . وتعـد أحـيـاء : ابـن صـالح ، والموقف ، وبريمـة ، ودرب ضبشي ، والقصبة أهم الأحياء التي استمرت فيهـا فـرق الدقة لمدة طويلة ، حيث تحتدم المنافسة بين أحياء المدينة القديمة للفوز بلقب أفضل فرقـة وأجـود دخـول وختام . والأمر دقيق ” موسيقيا ” بين المايسترو العازف على الـطـارة < = بنـدير ضخم » ، وباقي الـعـازفين أو الضـاريين للتعاريج ، لذلك كان ” خبراء ” الدقة ، يدققون أحكامهم بملاحظـة أن الميـــزان ” سـقط ” لحومـة كـذا ، أو أن ” المايسترو ” لـم يحسـن الـدخول أو أفـوس ( = الـيـد ) المزج والانتقال من النغمة ما قبل الأخيرة إلى النغمة الختامية ، ويقضـون بفـوز فرقـة الحومة الفلانيـة بالـدوري لكفاءة المايسترو العـازف على الـطـارة ، الذي انتقـل بـفـريـق ” حومته ” أو حيه إلى الختام الأروع . تتألف فرقة الدقة الكلاسيكية ، مـن عشـرة فـمـا فـوق مـن الـعـازفين على التعـاريج ، وعـازف واحـد على ” القراقيش ” ، وهما ألـتـان حـديـديتان ، وعازف أو ضـارب على الطارة وهو المسؤول عن الفرقة من البداية حتى الختام . قـد تـطـول القطعـة لأكثـر مـن أربـع أو خمـس ساعات ، ويتم إيقاد النار وسط الحلقة لتسخين التعاريج والطارة ، وعادة يبدأ العزف بعد منتصف الليل ، ويستمر الفجر . لا تقتصر الدقة على العزف فقط ، بل هناك أنغام وكلمات ينشدها العازفون متألفة مع الضرب على لآلات … هذه الكلمات قد تكون مجرد أصوات موسيقية ، مثلا : ” هوا يها هيا هوي هيوا ” ، أو كلمات تمدح الرسول عليه الصلاة والسلام ، والصحابة ، والأولياء ، خاصة سبعة رجال في مراكش ورجال الزوايا . وقد تختلف هذه ” الأوراد ” بين فريق واخـر أحيانا ، لكنها تجتمع غالبا على نفس الهدف أي الإشادة بالأولياء . إن أهم ما يميز الدقة المراكشية قديما ، أن الذين أدوهـا وتغنــوا بـهـا كـانـوا هـواة ، فأغلـب سـكـان مـــــراكش المدينـة يتقنـون التغني بأهازيجهـا وأداء موسيقاها ، حتى قبل نشوء الفرق المحترفة ، وكان الأطفال يتعلمونها منذ الصغر وفي الحكاية الشعبية أن الاحتفال بالدقـة يـرمـز للفرحـة بنجـاة النبي إبراهيم عليـه السـلام مـن الـنـار ويستندون إلى أن مـا تـعـرض لـه مـن قـومـه حـدث أيـام عاشـوراء ، وعند البعض أن الأمر يرمز إلى إلغاء مظاهر الحزن والبكاء بسبب اغتيال الإمام الحسين بن علي عليه السلام في 61 هجرية وتغييرها بالاحتفال . ومهما كانت الأسباب التاريخية أو المختلقة ، فإن الدقة المراكشية اكتسبت جماهيرية واسعة ، وارتبطت بالاحتفال بالعام الهجري وبعـادات وتقاليـد مخصوصة يطبعها الإنفاق في اللباس والطعام ، حيث تقتنى الملابس والمكسرات ، وتعد أنواع من الحلوى أبرزها ( القريشلات ) ، ويؤتى الفقراء نصيبا من حقهم في أموال الأغنياء طبقا لـواحـد من أركان الإسلام وهـو الزكاة ، وإعداد ( نـوع مـن الحلوى ) . هكذا استند الاحتفال إلى مـا هـو ديني وماهو اقتصادي .

وقد تطورت الدقة من هواية عامة في مراكش . يحتفل الجميع بأدائها كل سنة ، إلى عمل تقوم به فـرق محترفة تستدعى للأعراس والحفلات طوال السنة بمقابل مادي ، بل انتقلت إلى مدن أخرى خاصة الدار البيضاء والرباط ، ولم يتوقف مسار التطور عند هذا الحد ، بل طال إلى النغمات ، فقد تم اختصارها وصـارت تعـزف خلال دقائق ، كما تطورت أهازيجها -أو فسدت في رأي الدقة الكلاسيكية- ولـم يعـد لـهـا مـن غـايـة إلا الرقص ، ودخلتهـا الآلات النحاسية خاصـة آلـة الـنفـار وآلة الغيطة ، وظهـر ” المازنيـة ” أو ” الرشايشية ” الذين استبدلوا الآلات بأيديهم . لقـد تـحـول إيقاع الـدقـة الـذي يبدأ ببطء شديد ، ويتغير بنفس الوتيرة ، ترافقه توسلات وأمداح ، ثم تحول النغمات وكذلك الأصوات بالتدريج إلى منحى إيقاع سريع ، لتختتم بنغمات أسرع . تسمى كلمات الدقة بـ ” العيط ” : النداء والتوسل وقد تكون ذات موسيقى داخلية بدون قافية أو بقافية ، والعيط صوت الصياح عند البكاء ويقال عيط عليه أي صرخ عليه أو بكى عليه ( معجم لسان العرب ) فهو النواح الشجي بمعنى أوسع ، وتبدأ كالتالي : نبدأ باسم الرحمان وباسم العالي ” الصلاة على زين الزين طه وياسين الشفاعة يا سيد المرسلين آسيدي | الشافع فينا المصطفى تاج النور بحرمة الحسنين لا تفرط فينا ” وهي ليست زجلا أو ملحونا ، بل هي ” غيط ” أي نداء وتوسل لا يخضع لميزان خاص ، فبعد البسملة والصلاة على الرسول ” ص ” ، وذكر الحسنين سبطي الرسول -ص ينتقـل ” العيط ” إلى الأولياء ، ولايقتصـر علـى رجـالات مراكش السبعة ، بل يذكر كل الأولياء ، كل فرقة تذكر أولياء الحومة التي تمثلها ، كالولي سيدي أيـوب ، والـولي ابـن صـالح ، ومـولاي علي الشريف ، والقاضي عياض،

وسيدي ميمون ، وسيدي منصور ، ومولاي اليزيد ، والإمام السهيلي ، وكذا الوليات من النساء : ” الوالي سيدي أيوب عار الجارلاتفوتني ياجاري الوالي يا بنصالح بحرمة للا نجمة السكراتية ” ومن الملاحظ أن العيط يختلف بين حي وآخر ، في تمجيد أولياء وأهـل الحومة الأفاضل ، وإن كان موحـدا فيما يتعلق بالذكر والصلاة على الرسول ” ص ” بإضافات وأسماء ومعاني . فـقـد يشير العيط مثلا إلى أبي العباس السبتي : أهل الزاوية جيت نزور تلقى حرش العينين في باب رياضو ”

او قد يشير إلى الغزواني : الغزواني جيت نزور يامول لقصور ” بن جعفر سلطان جاب الصوله لحومتو ” وكما أشير يختلف العيط من حين إلى أخر ، وقـد يحمـل بعـض العبارات الجارحة في حـق فـريـق الحي المنافس ، فمثلا فـريـق بنصالح دأب على انتقـاد فـريـق الموقف الذي كان من أجود الفرق فيعيط عليه ساخرا منه ” الله يا عريجة مالك تبكي سلبوك بالدشيشة واللفت البلدي الدقة الصابلة وأفوس المحني أما الزاوية فقد دأب فريقها على العيط : ” شوف الراية الحمرا كتشالي بعناية المخنتر الحسن الثاني ويقال في غيط آخر : ” لي فزعي ومايعرف يدوي ، الله أش جابولينا ” ويختتم العيط : ” إنشاء الله نقيمو الحال العام الجاي ” ” أنا في عار الزاوية زاوية المومنين ” -هيوا هيوا .