آخر الأخبار

وداعا ريان …!

ذ ادريس المغلشي .

ودعنا الطفل ريان من قريته( إغران) ضواحي شفشاون في يوم شديد البرودة يستمد دفأه من جموع الحاضرين ،الكل يرفع أكفه متوسلا لتتدخل الألطاف الإلاهية لتمنحنا فرصة لنراه بيننا مجددا .الجميع يترقب بل العالم بأسره يتابع تلك المأساة .تركنا بعدما غادرتناروحه البريئة بعد مضي خمسة أيام مضنية وكأنها أعوام ، غادرنا وهو يشير بكلتا يديه إلى كلمات خطها على بساط من تراب بقاع البئر تاركا لنا وصيته وهو يقول :
متى نتعلم من المحن ؟
بداية نقدم واجب العزاء للوطن وللطفل ريان بحجم التعاطف والحب الذي أفرزه الحدث .وأقف بكل اجلال واحترام لكل الأيادي الطيبة التي علمتنا كيف نبادل الوطن الحب والوفاء حين يحتاج لأبنائه.وأدين بشدة كل سلوك مرتزق يتاجر بآلام الناس من أجل كسب غير مشروع ولا اخلاقي .لانصادر حق الناس في الحزن كما في الفرح، لكن لانقبل استغلال الحالتين معا في ظروف وسياقات انتهازية .دعونا نمارس احساسنا وشعورنا الإنساني بدون انتماء ولاخلفية ولامتاجرة .فمع الاسف لم يعد يربط بعضنا بالبعض سوى الكوارث والفواجع والخيبات ، لم نستوعب بعد الدرس ،حتى ضاقت فسحة الأمل وأصبحنا نبحث عنها ككوة في الظلام .ضاقت الأرض بمارحبت .لقد أصبحت ديبلوماسيةالجنائز أكثر نجاعة وكفاءة من مراسيم الفرح والإحساس بالحياة بعدما أصبحت مبتذلة فاقدة للطعم والرائحة .
الحدث حرك الراكد فينا وأيقظ شحنة عاطفة جارفة تجاوزت الحدود وكسرت كل الأعراف الديبلوماسية وحاصرت هنجعية الأنظمة البائدة التي تدور حول نفسها لتشق عصا الوحدة بعدما أظهرت عجزها وتجاوزها التاريخ في بناء علاقات تحترم على الأقل المشترك بيننا بقداسة .كل المحاولات المنظمة بشقها المؤسساتي والعفوي أظهرت مدى نبل مشاعر وطن حين يتطلب الموقف تعبئة وحضورامشرفا يعتز بأبنائه لكن يسائلنا الوضع هل نحتاج في كل مرة لواقعة مفجعة ومماثلة لتجعلنا نحس بانتمائنا لهذه الرقعة ؟
لابأس … وليس من العيب أن نبدي نوايا حسنة اتجاه حدث مأساوي تتقاطع فيه أواصر المحبة والأخوة لنعيد حساباتنا الديبلوماسية وكيف أن الطفل ريان جعلنا نفكر في العروبة والاسلام والاخوة وغيرها من الاعتبارات التي تعضدها من اجل استدراك كل الهفوات لترميم تلك العلاقات التي كسرت أساساتها بعض الحسابات الخاطئة المبنية على سوء الظن وتصديرأزمة و مأساة الداخل للخارج .
شكرا لك ريان .ورحمة الله عليك …
لقد نبهتنا لأمور كثيرة لم نعد نلق لها بالا ، كم أصبحنا بعيدين عن التزاماتناالأخلاقيةوكيف جعلتنا نلاحظ أن الهوة أصبحت سحيقة تطلبت حدثا قويا ليحدث رجة بدواخلنا ، لنقف على حقيقة أنناافتقدناكل المشاعر الإنسانية .واستطعت ان تسجل في مسار الحياة رغم حداثة عهدك بها أن كل الصور الحاطة من كرامة الإنسان والتي تجعله همجيا فوضويا عنيفا كلها مجرد انحرافات خادعة .وان الأصل فينا الخير والمسارعة لإدخال الفرح على الآخر مهما اختلفنا معه .كل العيون والمقل سال دمعها بلاحواجز جمركية للتعبير عن لحظة عميقة في دلالتها وسمو مشاعرها.أيها الطفل الذي غادرنا ببراءته وقد ترك لنا رسالة ذات أبعاد إنسانية بليغة ، مفادها أن الشعوب لها من مقومات الوحدة مايجعلها تنتفض لكل حدث في اطار الواجب والوحدة التي قوضت معالمها مع كل أسف أيادي من الخارج والداخل .
ريان اسم سجله التاريخ وهو يمثل طفولة مغتصبة في واقع التهميش والنسيان .وكيف لانلتفت إليها .ونتساءل هل فعلا حرك الحدث فينا الإحساس بالمسؤولية بالقدر الذي سجلنا في جانب التعاطف والمؤازرة منذ بداية سقوط ريان في البئر ام العكس هو الحاصل ؟
اتفق مع من ينادي بفتح نقاش متعدد الأبعاد والمناحي للإحاطة بالحدث والذي ظهر جليا أن غياب الإعلام العمومي بمختلف توجهاته والذي يمون من المال العام لاعلاقته بمايقع ممافسح المجال لصحافةالإرتزاق اللعب على مشاعر المواطنين من اجل تحقيق أعلى نسبة مشاهدة والمنابر الدولية التي غطته بسقف زمني متتالي امتد لساعات متأخرة من الليل .أما الحكومة ففي دار غفلون توزع الكلام الفارغ الذي لايمس اهتمامات الشعب لامن قريب ولامن بعيد . لم نسجل لها حضورا في مكان الحدث ففوتت على نفسها فرصة إنسانية بامتياز وهي تحمل شعار حكومة اجتماعية وأتساءل عن أي مجتمع تتحدث ومن تمثل ؟
الحدث مؤلم ، أحس الكل بدرجة قوته، لكن السؤال المهم والأساسي ، هل سنستفيد منه من اجل طفولة للمستقبل ، ليدفعنا لطرح كل الأسئلة المقلقة والآنية ؟ ام سيطوي النسيان الحدث وسنعود لحالاتنا الطبيعية متناسين ريان وأمثاله ، وكثير من الأحداث الجديرة بالطرح والمعالجة ؟ رحمك الله ريان ورحم الجميع .