آخر الأخبار

هسهسات على هامش الفاجعة.

محمد الراجي
رحل ريان بعد أن شغل الدنيا خمسة أيام تباعا ….رحل بعد أن جعل العالم يتوقف لينتبه إلى لحظة مؤلمة…رحل بعد أن تجندت الآلات الجبارة و السواعد المعاول و الفؤوس و الجرافات و عيون المخبرين و العيون الحزينة والعيون الفضولية التي تصطاد لحظات ضعف الآخرين. ظل قابعا كصغير البغاث في وضع جنيني خمسة أيام و أربع ليال سويا…مارس الانتظار الموجع المرير و قاوم الوحدة القاتلة بالتوقع و دافع الكوابيس بحركات بسيطة تلقائية.و بين ضجيج الآلات و صخب القوم المهرولين و عدسات المصورين الجشعين و ودعوات البسطاء البريئة و تبتلات الأمهات ممن خبرن الألم و الانتظار الفظيع ،أطلت صورته و هو يتململ محاولا أن يستوي في مكانه الرطب المظلم .تلك الصورة هي ما أفرخ لدينا هذا الأمل الخادع و الذي تحول إلى حسرة و أسى بحجم قرص الشمس.
كل الأيادي التي تحركت مشيرة إلى الجب عادت إلى مكانها.
كل الأصوات التي نطقت اسمه و دعت له خفتت متعبة و استسلمت للصمت.
كل الفؤوس و المعاول التي نبشت رحم الأرض عادت إلى مستقرها.
كل الجرافات و الآليات التي ضجت دون كلل عادت إلى مستودعاتها.
كل العمال و السائقين الذين قاتلوا و استبسلوا عادوا فارغي الأيدي إلا من وميض الأمل الطارئ الذي ظهر فجأة ثم سحبته الأقدار إلى العدم.
كل العيون التي حملقت طويلا و قاومت السهاد متسلحة بتوقعات جميلة ،استسلمت لجبروت الحقيقة التي لا تقبل التغيير.
كل السيارات، كل الكاميرات ، كل الأقلام ، كل من مارس الانتظار المميت و علل النفس بالنهاية السعيدة ،كلهم عادوا أدراجهم و سلموا بحكم الأقدار التي انتصرت للطبيعة مرة أخرى…
عاد كل شيء إلى مكانه و استسلم الكون لإيقاع الطبيعة …
و حده ريان لم يعد …و حده ريان يتخلف عن الموعد …و حده ريان يخالف التوقع …يظهر كبارق من السماء ثم ينطفئ حاملا معه قبضة من انتظاراتنا و سؤالا تصعب مقاومته : ما قيمة الإنسان…؟