آخر الأخبار

قراءة في رواية مــخــالـــب الـــمــتــعـــة

المبارك الگنوني 

في روايتها «مخالب المتعة»، الكاتبة فاتحة مرشيد بلغتها الشاعرية، وبجرأتها الأدبية تناولت باقتدار موضوع «الجيغولو»أو (دعارة الرجال). فقد وضعت قلمها على جرح هذه الظاهرة بكل ما أوتيت من إبداع روائي، حتى إنه أوجع البعض، فلم يجد بدل الحجة بالحجة غير المنع وسيلة لمجابهتها، إذ منعت هذه الرواية من العرض بمجموعة من الدول العربية. فقد علقت فاتحة مرشيد في أحد حواراتها على هذا القرار بالاستغراب والاستهجان: «كم من كاتب عربي يكتب عن دعارة النساء، ويتفنن في نقل وقائعها حد القرف، فلماذا يضيق بعض أصحاب القرار ذرعا بكتابتي عن دعارة الرجال، إذ قامت قيامتهم ولم تقعد».ما الفرق بين الرجل والمرأة؟ ألا يبيع كلاهما جسده ليأكل به. ألا ينطبق القول المعروف «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها» على الرجال أيضا؟ المفروض يجوعون ولا يسترزقون بأجسادهم، يبيعونها للنساء من الطبقة المخملية بمقابل مادي مغر؟ إن الرواية تحاكم المنظومة التعليمية برمتها، وتؤشر على فشلها الذريع، بما أنها تستقبل الملايين سنويا بدون أفق يضمن لهم كرامتهم عند تخرجهم، مما يجعل معظمهم بشواهدهم العليا يصطدمون بسوق الشغل. وحتى إن اشتغلوا فلا علاقة لتخصصاتهم بما يشتغلون به. «الزمن تغير، وهناك شعب دراسية يجب إلغاؤها بالمرة مثل: التاريخ والجغرافيا والآداب و الفلسفة.. كلها دراسة نظرية محضة.. ماذا ستفعل بالدكتوراه في الفلسفة مثلا؟ لا شيء غير التدريس لتكون بدورك عاطلين آخرين» وقس عليها بقية الشعب كالقانون والتاريخ والجغرافيا والأجناس الأدبية بمختلف تعبيراتها، شعرا و نثرا. ظواهر أخرى عرجت الرواية عليها بمرارة، مثل الطلاق الذي تتفاقم نسبته سنة بعد أخرى، وعادة ما تكون النساء ضحاياه من عدة وجوه، تقول الكاتبة على لسان «ميمي» النادلة بإحدى الحانات «ميلودة» في الأصل «أعلم أنني متهمة، لكنني فهمت أن التهمة الكبرى بهذا البلد السعيد، هي كوني امرأة مطلقة».تُعدّ البطالة من أهم المشاكل التي يعاني منها المجتمع المغربي، ويمكن القول إنها مشكلة متفاقمة منذ عقود، نتجت عنها مشاكل وظواهر عديدة منها الزواج غير المتكافئ، وهي الظاهرة التي نجمت عنها مشاكل، منها ما يُعرف بـ(دعارة الرجال)، وهذه الأخيرة لم تنتج عن ظاهرة الزواج غير المتكافئ وحسب، وإنما هي نتاج مركب عن المشكلة (الأم) البطالة… فالمشاكل هنا متداخلة في عواملها وأسبابها، وهو ما أرادت هذه الرواية أن تُعيد قراءتها وترتيب نسقها وتفكيكها ومناقشة أسبابها وكـشف بؤس مآلاتها…
ألا تؤكد لنا هذه الظواهر التي لا تزال تعشش في مجتمعاتنا، أن المسافة بيننا وبين الوعي اللازم لا تزال بعيدة المنال؟ألا تدعونا لنكثف مجهوداتنا للقطع معها على درب اللحاق بالأمم الأخرى؟ ألا تتحمل الجهات المعنية مسؤوليتها فتسعى لإصلاح المنظومة التعليمية بما أنها قاطرة كل القطاعات؟ ولم لا إعادة النظر فيها لتكون الفضاء الأمثل للتعليم الجيد والتأهيل المناسب لسوق الشغل، لتجنب الشباب المآلات التي رصدت الرواية جزءا منها؟ وما محل المثقفين ورجال الدين المتنورين، والأساتذة وجمعيات المجتمع المدني من إعراب التغيير المجتمعي؟