آخر الأخبار

قبل الرماء تملأ الكنائن

إدريس بوطور.

“الرماء ” بكسر الراء مصدر من الفعل “رامى” ، ويعني تبادل الرمي ، أي رمى أحدهما الآخر ** ” تملأ ” بضم التاء ** “الكنائن ” جمع ” كنانة ” وهي جعبة تجمع فيها السهام وتوضع على الكتف من جهة الظهر ** (قبل الرماء تملأ الكنائن ) مثل عربي قديم جاء لتنبيه من يريد ولوج معركة معينة وليس في كنانته سهام . كما يضرب هذا المثل لمن يتعجل تنفيذ أمر ما دون إعداد وتخطيط، فالفشل مصيره. هذا المثل صورة حسية مستمدة من البيئة العربية القديمة التي تعتبر الكنانة بلا سهام أداة جوفاء لا فائدة ترجى منها. لكن تركيب المثل رمزي يتعدى مجاله الأصلي الذي ولد فيه ليبلغ رسالة تسكن بين ثنايا كلماته ، والمتمثلة في سلوك ضروري لتوازن مسار الحياة .هذه الرسالة هي الإعداد لأي أمر قبل ولوجه ، لأن الحياة نظام وليست ضربا من ضروب الصدفة ، كما أنها ليست ارنجالا وفوضى . فالمقصود المجازي من هذا المثل شامل لسائر ميادين الحياة ، لأن من يريد أن يصل الى المبتغى في مشروع ما فعليه بالإعداد له العدة اللازمة . ولعل مجال التدريس والتعليم من أهم الميادين التي لا تقبل الارتجال ولا تستمر معه ، إنه مجال يتوافق ويتعايش مع الإعداد ، والمدرس الناجح هو من يعد العدة لكل موقف تعليمي ، ويتفادى الارتجال . وليس الإعداد التعليمي المطلوب هو فقط وضع خطاطة وتصميم على ورقة للدرس المقترح ، بل هناك الإعداد الفكري والنفسي ، وتصور الموقف قبل ولوجه . وما يصدق على الأفراد ينطبق على تطور الأمم والشعوب، فإذا بحثنا في سر تقدم اليابان مثلا نصل الى أن النظام والتنظيم هما جوهر الحياة لديهم ، فلا وجود لوقت ضائع أو ثالث ، بل هناك إعداد دائم وتنظيم محكم لمسارالحياة . في حين نجد عند بعض الأمم الأخرى العديد من الأقوال المأثورة التي تشجع على التراخي والتكاسل ، والتماطل والتسويف ، والارتجال واحتقار قيمة الوقت ، مما جعلها تدخل دوامة التأخر المزمن عن ركب التقدم والازدهار .