آخر الأخبار

في الذكرى الحادية عشرة لحركة 20 فبراير

عبدالحق عندليب

تحل اليوم الذكرى الحادية عشرة لاندلاع الاحتجاجات الإجتماعية و السياسية التي شهدتها بلادنا يوم 20 فبراير 2011 و التي استمرت تداعياتها و امتداداتها على مدار عدة شهور. هذه الحركة التي رفعت منذ البداية شعارا مركزيا تمحور حول إسقاط الفساد و الاستبداد قد جاءت في سياق ما يسمى بالربيع العربي الذي عاشت العديد من البلدان العربية في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط على إيقاعه و الذي أدى إلى إسقاط نظام زين العابدين بن علي في تونس و نظام حسني مبارك في مصر و نظام معمر القدافي في ليبيا و إشعال حرب مدمرة في سوريا و اليمن أدت إلى تفتيت هذه الكيانات و تخريب بنياتها الأساسية و ذلك بإيعاز و دعم مباشر من أمريكا و فرنسا و بريطانيا و الأنظمة الموالية لها في الخليج.
ففي سياق هذا “الربيع” تحركت في دواخل بعض شبابنا المغربي من خلال استغلاله للتكنولوجيا الحديثة في التواصل الإجتماعي فكرة الانخراط في الحراك لقطف ثماره من خلال محاولة تغيير الواقع السياسي و الإجتماعي الجاثم على الفئات المستضعفة و المهمشة و على رأسها الشباب. فكانت الاستجابة فورية و شاسعة لينضم إلى أول تظاهرة اندلعت يوم 20 فبراير 2011 في كل من الدارالبيضاء و الرباط شباب بعض الأحزاب و التنظيمات السياسية و الحقوقية و الجمعوية.
و إذا كانت هذه الحركة الشبيبية قد حملت شعارات تطالب بالحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية و إسقاط الفساد و الاستبداد فإن ما ميزها عن مثيلاتها في البلدان العربية هو طابعها الإصلاحي غير الجذري حيث تجنبت أي طعن في شرعية النظام السياسي في بلادنا رغم توجيه سهام نقدها لبعض مؤسسات الدولة في الحكومة و البرلمان و القضاء و لبعض الشخصيات النافذة. كما أن انخراط بعض القوى السياسية و الحقوقية و المدنية قد جعل الحركة تتحصن من أي دعوة أو نزوع نحو السقوط في دوامة العنف و براثين التطرف.
و من حسنات حركة 20 فبراير أنها قد عجلت بالإصلاحات السياسية و الدستورية التي شهدتها بلادنا من خلال الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها و تشكيل لجنة ملكية من شخصيات وازنة و متنوعة و نزيهة أوكل إليها فتح مشاورات شاملة و واسعة مع الأحزاب السياسية و النقابات و الجمعيات الحقوقية و النسائية و الشبابية و المدنية حيث أدى ذلك إلى بلورة مسودة دستور جديد صادق عليه الشعب المغربي دون تدخل سافر للدولة كما كان يحدث في الاستفتاءات و الانتخابات التي شهدتها بلادنا إبان سنوات الجمر و الرصاص.
و إذا كانت الموضوعية و النزاهة تقتضي الإقرار بما حققته بلادنا من مكاسب ديمقراطية و حقوقية في إطار ما جاء به دستور 2011 فإن ما يمكن تسجيله من اختلالات هو محاولات عرقلة ظهور نتائج إيجابية ملموسة على أرض الواقع من خلال ترجمة و تنزيل الدستور الجديد إلى برامج إصلاحية و تنموية شاملة تعود على المغاربة و لاسيما الطبقات المسحوقة بالنفع. ولعل أكبر هذه الإختلالات عدم ملائمة مدونة الانتخابات لمتطلبات التغيير و الإصلاح مما جعل الانتخابات التي جاءت بعد 20 فبراير و بعد المصادقة على دستور 2011 مجرد عملية للركوب على موجة المد الشعبوي الإسلاموي حتى تمر العاصفة. حيث أن النخبة السياسية التي حصلت على الأغلبية في انتخابات ما بعد 2011 لتدبير الشأن العام و المحلي الممثلة في حزب العدالة و التنمية أكدت الأحداث بأنها غير قادرة على مواكبة مطالب حركة 20 فبراير من خلال ترجمة شعار إسقاط الفساد والاستبداد و غير متشبعة بحتمية تغيير السياسات الفاشلة للدولة و التي من شأن استمراريتها نسف كل ما حققه المغرب من مكاسب.
و لكي نفهم جيدا ما حدث بعد 20 فبراير يمكننا طرح السؤال التالي: لماذا استطاع حزب العدالة و التنمية الحصول على الأغلبية في الانتخابات السابقة لأوانها و الانتخابات التشريعية و الجماعية الأخيرة بينما ظل هذا الحزب يعارض حركة 20 فبراير و يعارض بشدة مطالبها في إحداث أي تغيير جوهري على الدستور كالذي كان يستهدف إصلاحا جوهريا للسلطة التنفيذية والقضائية و التشريعية و ملائمتها مع روح ما صادق عليه المغرب من اتفاقيات دولية حول حقوق الإنسان؟
و من هذا السؤال و المنطلق فإن أي تدارك للموقف أو أي إصلاح حقيقي يتغيا خلق الشروط و المناخ السياسي الملائم لتقوية دعائم الديمقراطية و دولة القانون و المؤسسات و فتح الطريق أمام النموذج الجديد للتنمية يقتضي اتخاد قرارات جريئة تستهدف العمل على الفرز الديمقراطي للنخب السياسية الكفئة و المنسجمة مع روح ما جاء به دستور 2011 و مع متطلبات تفعيل مقتضياته و مع تطلعات كل فئات الشعب المغربي الثواقة إلى العيش الكريم في كنف الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و التضامن والتماسك الاجتماعي ومع روح حركة 20 فبراير و ذلك من خلال مراجعة عميقة و شاملة لمنظومة الانتخابات التي لم تعمل بعد الخروج عن المنهجية الديمقراطية في 2002 وإلى يومنا هذا سوى على تكريس هيمنة تجار الانتخابات و تجار الدين على المشهد السياسي وتكريس قطبية مصطنعة وإبعاد و تهميش القوى الوطنية والديمقراطية التي تملك التصورات والبرامج و الكفاءات الكفيلة بإخراج البلاد من دوامة التعثر والتردد من خلال الاجتهاد و الإبداع و الابتكار لبلورة الحلول الناجعة لوضعية الخصاص التي تشكو منها بلادنا في كل المجالات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية ولتجاوز المخلفات والتداعيات الموجعة لوباء كورونا .