آخر الأخبار

ظاهرة تسول أشباه الصحافيين : ” لايك عفاكم “

إدريس  الأندلسي

يعرف عالم الصحافة أسوأ مراحل ممارسة هذه المهنة التي كانت، على العموم محترمة. اليوم تأكدت من معنى ” اختلط الحابل  بالنابل”. من يمتلك سطوة القلم يعتبر مثل الفارس الذي يتقن القيادة بالسيطرة على الحبل. و حين تختلط الأمور لا تسير الأمور حسب الأصول لأن حامل النبال يخطر التصويب من فرط عدم التنسيق مع صاحب الحبل.  الأمر فيه كثير من الغياب بين المعرفة و الصعود إلى السطح عبر إتقان فنون الجهل. في هذا اليوم الممتلئ بإمكانيات الولوج إلى ما يسمى بالشبكات الإجتماعية أصبح من حق الجميع أن يصنع خطابه، بوعي أو بدونه،  و يدخله إلى سوق يلعب فيها الدولار على تهييج الرغبة في ” اغتناء ” يشبه الصدقة الافتراضية.  المطلوب هو حضور الكلام المخلوط بكل التوابل  و لو كانت مغشوشة. أكاد أشك أن الأمر يتعلق بديانة جديدة لا تؤمن باليوم الآخر و لكن بالتحويل المالي المقبل. 

هذا الأمر يشغل بال الكرة الأرضية  و من عليها.  هناك من يستخدم الجسد  و الكثيرون يستخدمون الكلام لإرضاء سلطة أو لمعاداتها.  الأمر لدينا في بيتنا المغربي أخذ ابعادا كوميدية رغم آثارها السيئة على البلاد  و العباد. كل من حمل كاميرا  و اختار زاوية في بيته  و أضاف شيئا من الديكور،  يقسم بكل ما ” يؤمن به” على أن قناته أو قنواته لا تخضع لصاحب جاه أو مال  و لكنها تخضع لمحبة الوطن و  مؤسساته.  و هنا اختلط الحابل بالنابل  و أقبل أصحاب القنوات على لعب أدوار مشكوك في صدقيتها  و حتى في تقنيات إخراجها. بدأ البعض يرى في نفسه ذلك الذي يحمل رسالة المخلص من اخطار تداهم الوطن،  بينما وجه الآخر ترسانة من الوعيد لإنقاذ البلاد ممن يستغلون كل المواقع للإضرار بمصالح المواطنين. 

كثير من زعماء هذا الزمن اقتنعوا أن جلوسهم في  بيوتهم خلف الكاميرا رفعهم إلى مستوى الزعيم القيادي. كثير منهم لم تعد لهم السيطرة على حقيقة نزواتهم.  تضخمت ” الأنا ” لديهم لحد وصول مرحلة اليقين أنهم اوصياء على العقول  و المؤسسات. أصبحت أرقام المشاهدات بالنسبة لهم سلطة تدفعهم إلى غرور كبير بقدرتهم على تأطير الرأي العالم.  كثير منهم أصبح يقارن نفسه بمؤسسة أقوى من الجمعيات و الأحزاب  و النقابات.  و لكنهم،  على سذاجتهم، يعرفون قوة بعض المؤسسات.  و هذا ما يدفعهم لإعلان ” ولاء صوري” تفاديا للسقوط في المحظور. يعرفون أن مساحات التعبير الفوضوي  و المربح ماليا، قد لا تدوم لأسباب متعددة أهمها تغير آليات عمل شبكات التواصل الاجتماعي على الصعيد العالمي.  المعين سينضب لانتفاء أسباب الحاجة إلى ميكانيزمات التعبير المجتمعي في صورتها الحالية. حاجة رأس المال تتغير بسرعة و ستصبح دروع اليوتوب مجرد ذكرى في القريب. 

كثير من المتابعين يلاحظ المواجهات الحادة بين المواقع حول مواضيع كثيرة. و تتسبب هذه الوضعية في فضح بعضهم البعض. أساليب التعبير بدأت تكشف حقيقة من صنعوا لأنفسهم صفة ” صحافي أو مؤثر أو مهرج أو ناقل رسائل أو مسخر أو….” و الأخطر في الموضوع اقحام مؤسسات رسمية في ما يقع على حلبة صراع المواقع. حتى قضايا الوطن أصبحت مجالا للتنافس السلبي بين الحالمين بموقع لموقعه. أكثرهم يتعاطون لسرقة المضامين  و إعادة تركيب ما قاله غيرهم عن قضية ما. ا ليس هذا عنوان عن انحطاط  يضرب في العمق مهنة الصحافة التي تهدف إلى توعية المواطن عبر البحث عن الخبر  و تحليله  و التعليق عليه بمهنية  و تجرد. سكان مواقع التواصل الاجتماعي أصبحوا،  في غالبيتهم ، صناع التخلف الفكري  و مخاطبي الغرائز  و باحثين عن شيء من المال  و لو كان حراما. 

نشهد، في يومنا، من يستيقظ على رغبة في لعب أدوار أكبر منه بكثير.  فهو، حسب نفسه الأمارة بالسوء،  قاضيا يصدر الأحكام،  و وكيلا يكيف التهم،  و محاميا يجتهد في كتابة المذكرات،  و مسؤولا أمنيا يقوم بالتحريات  ، و خبيرا في الإقتصاد  و المالية  و العلاقات الدولية  و الضرائب  و تدبير الجماعات.  المشهد أصبح مدمرا  و مسيئا  للمؤسسات بما فيها الجمعيات الجادة في مجال حقوق الإنسان أو تلك التي تدافع عن المال العام. 

يمكن القول أن بعض المواقع،  و هي قليلة جدا، تريد أن تلعب دورا من أجل بناء دولة الحق و القانون، لكن أغلبية من تعاطوا لمهنة تساوم  و تقتات على فتات موائد بعض الناهبين للمال العام،  هم من يشكلون خارطة المواقع الإجتماعية. 

لقد أصبح اللعب على صناعة الخبر  و الإستفادة من استغلاله خطرا على الوطن.  و لهذا أصبح تدبير ملف مواقع التواصل الاجتماعي يتطلب الكثير من الحزم. نعم لحرية التعبير المسؤولة  و ذات الطابع المهني ، و لا لمن أصبحت مهمته الضغط على المواطنين  و مساومتهم و الحصول على مداخيل مالية غير مشروعة.  و إذا تمت مواجهته بأفعال من طرف السلطات يصرخ باكيا  و منددا بالأخطار المحدقة بحرية التعبير. الأمر يتطلب تدخلا للدولة لتصفية المشهد الصحافي  بهدف تقنينه  و اخضاعه لمقاييس مهنية.  الأمر يتطلب كذلك  وضع إطار لعمل مواقع التواصل الاجتماعي يضمن عملا مهنيا  و مسؤولا يحمى المواطن من السماسرة  و لا يسئ لعمل المؤسسات. الصحافي فاعل مجتمعي  و سياسي يبحث عن الخبر  و يوثقه  و يمكنه أن  يفضح بالحجة كل الممارسات المسيئة للوطن  و للمجتمع.  و لكن إصدار الاحكام يرجع إلى السلطة القضائية.  و أخيرا كفي من سيطرة الجهل  و الأمية  و الانتهازية  و الإضرار بمصالح الوطن و الإستفادة من المال العام في محاولة صنع رأي عام عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أما المتسولون عبر هذه المواقع فليعلموا أن تطور الذكاء الاصطناعي سيقضى على كل مصدر للحصول على الأموال . ما بين سارق لجهد الغير  و كذاب أشر و ” صاحبات روتيني اليومي” شبه كبير.  و ما بين متملق  و محاول للتقرب من سلطة  و متقن لأنواع الشتم  و إهانة الآخرين و أشباه معارضين شبه أكبر.