آخر الأخبار

طابي المغرب لا يحاكم

في صيف سنة 1986، جاء رجل أعمال ثري ،مقاول كبير، مغن و ممثل سينيمائي و نائب برلماني يدعى برنارد طابي ليشغل مهام مالك و رئيس فريق أولمبيك مارسيليا.

تم الأمر فشكل مكتبه و تسلم لوحده مقاليد الحكم و استفرد بالقرارات و همش الباقين و تحكم في المدرب جيراد بانيد و في المدير التقني ميشيل هيدالغو ،لا صوت يعلى عليه و لا أحد يعارضه،كان له دراع أيمن وحيد و أمين فقط هو جان بيير بيرنيس المدير الرياضي و العلبة السوداء، الذي يستشيره في كل شيئ و يأمره في كل الاحوال و ينفذ له تشريعاته و إملاءاته.

استقطب في بداياته كانتدابات وازنة أسماء كبيرة من طينة انطوان بيل، لورو، سليسكوفيتش فورستر ،الان جيريس، بابان، فرانسيسكولي، كانطونا…
صبر عامين بدون لقب و عندما أثخم مجموعته بكل نجوم المنتخب الفرنسي تقريبا و بعد ان عززهم بنجوم من العيار الثقيل كموزير، الوفس، وادل، ستويكوفيتش، ابيدي بيليه… تمكن من تحقيق الازدواجية و بعدها صال و جال كما حلا له في البطولة و كان يصل في كل مرة للمربع الذهبي بل و للنهائي من كأس الابطال الغالية حتى فاز بها على حساب إسي ميلان العريق.

برنارد طابي القوي و النافذ كان يأتي بأي نجم أراده بل أنه أخرج نجوما وفية من أنديتها الام لاول مرة تحت عامل الاغراء المادي و منهم جيريس، أموروس، تيغانا… الأمور كانت عند برنارد طابي الفاسد سهلة للغاية مادام يوظف سحر المال بخبث و مكر، كان يشتري نتائج المباريات وكان يرشي كثيرا من الذمم… كانت هذه الاخبار تبدو كشبهات في الاول الا أن بدأت تطفو على السطح في بعض الأوقات حيث كانت أيادي بعض الحكام تلطخ أحياناً في وحل بعض المباريات الحساسة والحاسمة، كذلكارتبط توهج بعض لاعبيه بتناول المنشطات . لكن كل هذا جلب العداوة له من بعض رؤساء الاندية المنافسة كجان كلود بيز رئيس بوردو و لويس نيكولان رئيس مونبولييه و رئيس موناكو لويس كامبورا ، و شن عليه كذلك بعض كوادر الصحافة الفرنسية النزيهة حربا ضروسا همت ملفات مشبوهة لانتقالات اللاعبين و صفقات أخرى غير بريئة لمدربين و مدراء تقنيين.
هذه الصحافة النريهة اشتغلت باحترافية قل نظيرها خصوصا عندما انفجرت قضية اويم فالنسيان سنة 1993، حيث زكمت رائحة الفساد أنف الكرة الفرنسية و أصابتها في مقتل، و لم يشفع فوز مارسيليا بكأس الابطال كأول فريق فرنسي في التاريخ و لم ينل نفوذ برنارد طابي القوي من عزيمة الاعلاميين الحقيقيين في إيصال القضية لردهات المحاكم التي دققت و حققت و حكمت باعتقال و سجن عملاق الرؤساء الفرنسيين الكرويين رغم أنفه و بالتالي خفت بريق مارسيليا الذي كان مشعا طيلة السبع سنوات الماضية. و لما خرج من السجن ابتعد كليا عن ميدان الكرة و اتجه الى عالم المال و الاعلام و البزنس الذي يبرع فيه أكثر.

فرنسا هذه، بلاد القانون الفعلي الذي لا ينطق فقط باللسان بل هو الذي يطبق على الكل بعدل و حيادية تامة، أعطتنا آنذاك دروسا و دروسا وجب استخلاص العبر منها لإسقاطها على واقعنا الكروي المؤلم.
ففي كرتنا البئيسة استشرى الفساد و زكم الانوف و تضاعفت الفضائح و استفحلت كوارث البرمجة و التحكيم.
أشار لهذا النزهاء من الصحفيين والإعلاميين و ندد به الشرفاء من الجماهير العاشقة و وقعت ضحيته بعض الفرق التي لا حول لها و لا قوة.
بالرجوع لإحصاء كم من برنارد طابي عندنا و لو ان المقارنة لا تصح أحيانا او عموما، سنجد أن أغلب رؤساء أنديتنا فعل أكثر من برنارد طابي هذا و لم ينل العقاب الذي يستحق و الذي يجعله يقلع عن الرياضة بصفة نهائية ، إذ أن في المغرب ككل و دون الرياضة يكفي أن تكون وازنا ماليا و نفوذيا و سلطويا لكي تصول و تجول و تعيث في الارض فسادا دون حسيب أو رقيب. فما دام الفساد محمي و قوي بالنافذين المتجذرين في هذا الميدان و ما دامت ليست لنا صحافة مستقلة و بعضها غير نزيهة و مادام ليس لدينا قضاء مستقل عموما، فأكيد أن هذا الاخطبوط ستزداد أدرعه لكي يحصد الكثير من الضحايا و من النزهاء الشرفاء.
طابي المغرب لن يسائل و لن يحاسب و لن يعتقل و لعل أكبر و آخر واقعة حدث فيها تحقيق و حكم و اعتقال تعود لسنة 1987 عندما اهتزت الكرة الوطنية على وقع ضلوع لاعبي النهضة القنيطرية الفقيدة و مدربها لحويدك في عملية بيع لمباراتهم بحصة كبيرة ليستفيد منها آخرون. أظن أنه لم يحصل منذ هذه الفترة عرض قضايا فساد في الكرة المغربية على دهاليز محاكم المغرب.

أقول كل هذا و نحن نعيش في زمن العولمة و زمن توفر و نقل المعلومة بسرعة و زمن التكنلوجيا الحديثة، فما بالنا بما كان يقع في زمن الظلمات و زمن سد فمك و زمن لي دوا يرعف.
الخلاصة أن الفساد مستشر في الكرة منذ زمان ولا زال يواصل نخره لبطولتنا و لازال يضرب مصداقية و نزاهة القائمين بأمرها الآن.
بهذا الأسلوب العتيق في تسيير الفرق بطريقة ما يجري في الاسواق و في عالم الفلاحة و البناء و ماهو معمول به في المعامل و الضيعات سوف لن تستقيم بطولتنا و لن تنتج لنا أبطالا في المستوى و لن نبني منتخبا قويا و لن نربح بطولات كبرى قاريا او دوليا.
برنارد طابي المغرب لازال حرا طليقا.

نور الدين عقاني / برشيد