آخر الأخبار

حاجة جنيرالات الجزائر لتبون

كان الجنيرالات في حاجة الى ظهور الرئيس تبون ليتحدث وتمرير خطابات محددة تنطوي على تهديدمبطن للحراك في جولته الثانية التي انطلقت في 22 فبراير الماضي عبر المقارنة بين حراك 2019، الذي اعتبره اصيلا وبلغ اهدافه بحسبه، والحراك الحالي الذي يشكك فيه وفي المشاركين فيه ويعتبره، اذا ما استحضر السياق، مؤامرة مغربية بمشاركة لوبيات جزائرية تنشط في فرنسا.
الحوار الذي اجراه تبون قبل ثلاثة ايام مع صحفيين خضع فيما يظهر للكثير من القص، وبشكل يمكن ان يكتشفه حتى من لامعرفة له بتقنيات التركيب-المونتاج، وذلك للتحكم في الخطاب في حدود مايريده الجنيرالات الذين يبدو انهم لايرغبون في تكرار رحلات وخطب الجنيرال كايد صالح في ظل الازمة التي انتهت بانقلاب هذا الاخير على بوتفليقة وجماعته للحيلولة دون وضعهم راسه في حبل المشنقة، خصوصا وان شنقريحة ليس له نفس الموقع الذي كان لكايد صالح، وتجنبهم التكرار هو في الواقع تجنب للفضيحة في ظرفية اسوا من تلك التي تم فيها الانقلاب على بوتفليقة، المعروف بانه سعى الى خلق توازن بين الرئاسة والجنيرالات وفشل في النهاية.
في خطاب تبون امام الصحفيين، حتى وان كنا لانعرف ما حدفته الرقابة منه، كان اللاوعي اكثر حضورا من الوعي، حيث تعددت فلتات اللسان التي تكشف عن حالة ارتباك حقيقي في التفكير لدى الرئيس ولدى من يفكرون له بالنيابة عنه ويملون عليه ما يقول وكيف يقال، مع امتلاكهم حق الرقابة وحتى انزال العقاب، مما جعل التناقض اكثر من صارخ بين جواب وجواب وداخل الجواب الواحد كذلك، وجعل النفي يفيد الاثبات والعكس صحيح فيما يتعلق بعدد من القضايا التي اثيرت في حوار تم التحضير له وتم سحب جزء منه كما سلف، وربما كان ما سحب مفيدا لتبيان حجم التناقض وايضا حجم الكذب على مواطنين جزائريين يعرفون واقعهم و يعانون يوميا من تطوراته، ومنها العودة الى ندرة عرض الكثير من المواد الاستهلاكية الاساسية نظرا لتراجع احتياطي العملة الصعبة الذي قال تبون انه بلغ 43 مليار دولار، اي ما يغطي اقل من سنة من الاستيراد، وتشير بعض المصادر انه اليوم في حدود 23 مليار فقط، اي في حدود 4اشهر من الاستيراد في اقصى الحالات في بلد يستورد كل شئ ويحتاج جنيرالاته النافدون الى مزيد من صفقات السلاح وفاسدوه الى مزيد من الاموال لتهريبها الخارج.
وقد كان مثيرا جدا ان اجوبة تبون بشان الانتخابات ونسبة المشاركة فيها والاستفتاء عن الدستور قد مثلت محاولة بئيسة للاستهانة بالمشاركة الشعبية وايضا بالمواطنين المسيسين في اطار محاولة يائسة للدفاع عن شرعيته هو نفسه في مواجهة شعار الحراك في مرحلته الجديدة :”تبون مزور جابوه العسكر” وعن الدستور الذي صوت عليه عمليا 16% من الجزائريين، و لاستباق الانتخابات التي اعلن عنها، بعد حل المجلس الشعبي، حيث وصل الى حد القول ان مشاركة ضعيفة لا تغير من الامر شيئا ولا تعني بالنسبة له شيئا مادام ان كل شئ مقرر سلفا بين الجنيرالات خارج الاقتراع والارادة الشعبية.
الحاح تبون المتكرر على كون الجزائر قوة عظمى اقليمية وافريقية وعلى اكونها تحظى باعتبار عالمي و كونها تمتلك اقوى جيش في افريقيا و كونها حاضرة في حل العديد من المشاكل في افريقيا …الخ كان كاشفا بشكل لافت لاحساس تنضح به قسماته بان الجزائر توجد اليوم في حالة ضعف حقيقية وتواجه المستقبل بكثير من الغموض، بعدما بددت اموال طائلة من طرف جنيرالاتها ومن يرتبط بهم من الفاسدين وانشغلت عن التنمية وتنويع الاقتصاد بالصرف على المشروع الانفصالي الفاشل ومعاكسة حق المغرب في استكمال وتعزيز وحدته الترابية، فدورة ارتفاع اسعار البترول ومن ورائه الغاز الطبيعي لن تتكرر ابدا بعد المستويات العالية للعرض واتجاه العالم نحو تحول طاقي يقلص من المصادر الاحفورية والجزائر نفسها تقلصت قدرتها التصديرية وازدادت حاجياتها الداخلية من المواد البترولية، التي تستوردها مصفاة ومصنعة. فالعبرة ليست بمساحة بلد، على اهميتها، وانما بانتاج البلد وتقدمه، فاليابان والمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية وسويسرااقل مساحة من الجزائر بكثير، لكن الناتج الداخلي للجزائر، بالبترول والغاز اللذان لايتوفر عليه اي بلد من تلك البلدان، اشبه بنقطة ماء مقارنة مع بحر، والسودان كانت اكبر مساحة من الجزائر، قبل التقسيم، لكنها، وبما لها من ثروات وامكانيات مائية وغيرها، لكنها كانت في مؤخرة الكوكبة البشرية من حيث مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية و تعاني من الندرة في كل شئ ومن فقر مدقع بسبب حكم الجنيرالات المتواصل لعقود مند حكم الجنيرال عبود في ستينات القرن الماضي.
ومن المثير جدا ان تبون عندما تكلم عن حجم وتاثير ونفوذ النظام الجزائري افريقيا ركز على بعض بلدان جنوب، مركزا على جنوب افريقيا فيما يشبه نداء استغاثة ومهينا لانجولا وزيمبابوي اللذان تحدث عنهما وكانهما تابعين له، والبين انه كان خلال حديثه عن هذه البلدان يستحضر اكثر مساندتها لانفصاليي بوليساريو و لمواقف جنيرالات الجزائر المعاكسة لحقوق المغرب اكثر من استحضاره لمصالح الجزائر كبلد وشعب، ولم يفته خلال ذلك ان يسقط في تناقض مكشوف حين اعترف ان الجزائر خسرت كثيرا في افريقيا خلال العشر سنوات الاخيرة، في اشارة ضمنية الى التموقع المغربي الذي يتقوى باستمرار. نفس التناقض سقط فيه حين نفى تدخل الجزائر في الشؤون الداخلية للبلدان الافريقية او ارتباطها بالاسترتيجية الفرنسية ليعود ويؤكد انه كان لها تدخل سافر في مجريات الانتخابات الرئاسية في جارتها النيجر ولتفلت منه كلمات مبهمة حول الجار الجنوبي الثاني مالي، اما عن دور النظام الجزائري في ليبيا فالايام القادمة ستبين طبيعة وحجم ذلك الدور وحقيقته. خصوصا بعدما تبين ان الفرقاء الليبيين كانوا اكثر ثقة بالدور المغربي الايجابي والنزيه والحريص على عودة استقرار ليبيا وبناء مؤسساتها السيادية. وكان التناقض ايضا مكشوفا، مع تسجيل تملق الرئيس ماكرون، لدى الحديث عن العلاقة بين الجزائر وفرنسا.
هذه مجرد ملاحظات سريعة في حدود ما يلائم هذا الفضاء الازرق، لان الحوار تضمن ايضا امور اخرى تتعلق بتناقضات النظام الداخلية، والاهم ان تبون حاول توجيه خطاب ملتبس، ينطوي على اتهام بالاندراج في اجندة خارجية وعلى تهديد، للحراك الذي عاد ولا يعرف المدى الذي سيصل اليه والنتائج التي يمكن ان تترتب عليه.

محمد نجيب كومينة