206
سعد سرحان
ما من إبداع فني إلا ويحتاج إلى تنقيح.فإذا كان تشذيب الشجرة يفضي حتما إلى تشذيب ظلها فتتخلله بقع الشمش،فإن تنقيح الإبداع يُسفر عن تنقيح ظلاله المنعكسة على نفوس متلقيه،فتتخللها شموس أخرى لا تقل ضوءًا وحرارةً. هل كان أسلافنا ينقحون أعمالهم؟ الأرجح أنهم كانوا يفعلون.فهذا يكتب قصيدة كل حول،وذاك يـقُــدُّ من الصخر،وآخر يجد أن قلع ضرس أهون من قول بيت من الشعر.فلا عجب،إذن،أن تكون قصائدهم عابرة للقرون.أما الذين يغرفون من واد عبقر،فلا بد أن لهم نسلا بين ظهرانَيْنا،وهو نسل ذي زرع. تمة شعراء يشتغلون طويلا على نصوصهم، زيادة وتنقيحا، فلا ينشرونها إلا بعد أن تصيرمصقولة كالسجنجل.وتمة آخرون يدفعون بقصائدهم إلى النشر كما حطها الوحي من عــل.وللقارئ أن يفرق بين الدُّر والصخر.قديما استنوق الجمل في إحدى قصائد الشاعر المتلمّس.أما الآن، فقد نقرأ يوميا قصائد يستحبق فيها الشـيح ويستنبق الكرز ويستبرق الرعد، وهكذا أقصد: هـكـذا تستشبق العُنّة فإذا هي فحولة سـارت بذكرها الخِـصيان.