آخر الأخبار

اولياء الله في شعر الملحون : الإمام السهيلي

أولياء الله الصالحين في شعر الملحون (ديوان عبد القادر بوخريص المخطوط) : الإمام السهيلي .

سعيد عفلفل

هو سابع رجالات مراكش، تختم الزيارة بهذا الولي الصالح و يكون يومها الإثنين. الإمام السهيلي أو كما يسميه أهل مراكش ” سيد السْهيلي” عالم فقيه جليل محدث متبصر و نحوي أصولي حافظ، صاحب التصانيف، من أهل الأندلس. لم يدم مقامه في مراكش سوى ثلاث سنوات ومع ذلك عُد من أقطابها المتصوفة و رجالاتها السبعة المشهورين و هو الوحيد بينهم الآتي من الأندلس.
خصه الشاعر عبد القادر بوخريص بقصيدة يمدح فيها قامته العلمية السامقة و شهرته الكبيرة التي طبقت الآفاق. يقول بوخريص في حربة هذه القصيدة :
” ضيف الله لله جود يا لِمَامْ السهيلي ، و اسخا لي بَدْواك ** حُرْمٓتْ اهل مراكش طبّْني.”
وهي قصيدة في قياس الساقي للشيخ عبد الهادي بناني.
قصيدة بوخريص كلها شوق و توق لزيارة مقام الإمام السهيلي، غرضها تهنى روحه الحائرة و تسعد نفسه التائهة : “عاري عليك لَحْتُ نظفر باللي نريد * * و نفوز بالهنا و الرّاحا و سرور. ”
كما لا يفوت الشاعر الفرصة دون أن يذكر القارئ بعلم الولي الغزير و معارفه الواسعة و شهرته الواسعة التي طبقت الآفاق وأنه زاهد أدرك الولاية بعلمه و صلاحه يقول بوخريص : ” ندريك برّْ عالم والي راقي زهيد ** خبْرك ما اخفى فمدون و عربان ** بين القبايل و السكان ** بيك تَنْده كم من قومان.”
و ينهي الشاعر بوخريص القصيدة بهذه الأبيات :
” نهيت حلتي و سلامي مني وكيد ** قال الضعيف عبد القادر الفقير ** طالب الغاني فالتنوير ** و الرضا و احسان و تيسير ** بالعفو للجنة ترحيلي ** فامنابر لفلاك ** يرقى قصري و يريق ساكني. ”
الإمام السهيلي هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبدالله بن أحمد بن أبي الحسن الخثعمي. ترجع أصوله إلى قبيلة خثعم اليمنية. ولد في مدينة مالقة بالأندلس سنة 508 هجرية / 1114 ميلادية. و السهيلي نسبة إلى سهيل. و سهيل اسم نجم كان مقدسا لدى العرب قبل الإسلام. وهناك من يقول إن سهيل هو إسم قرية قريبة من مدينة مالقة سميت باسم النجم لأنه لا يُرى في جميع الأندلس إلا من جبل مُطل على هذه القرية.
نشأ السهيلي في أسرة فقيرة معدمة لكن الفقر لم يمنعه من التعلم و التحصيل. وكان يقول :” شُغلنا بكسب العلم عن مكاسب الغنى كما شغلوا عن مكاسب العلم بالوَفر.” تربى في كنف أسرة علم و دين و فقه. وقد أصبح من أعلام اللغة و الحديث و الفقه في الغرب الإسلامي. فقد بصره حين كان في السابعة من عمره لمرض عضال ألم به.
تتلمذ السهيلي على يد العديد من الشيوخ و الفقهاء في عدة حواضر اندلسية كمالقة و غرناطة و قرطبة و إشبيلية. تلقى علم القراءات على يد سليمان القرطبي المعروف بأبي داود الصغير. كما أخذ النحو و قواعده باشبيلية عن ابن الرمّاك. و تتلمذ أيضا على يد ابن العربي المعافري و منصور بن الخير المالقي الشهير بالأحدب. كما أخذ لسان العرب عن ابن الطراوة. و من تلامذته نذكر :
ابن دِحية الكلبي و محيي الدين بن عربي و فرج بن عبدالله الأنصاري الإشبيلي و سهل بن محمد الأزدي. ترجم له العديد من الكتاب من بينهم :
أحمد بن يحيى الضبي في “بغية الملتمس” و ابن خلكان في ” وفيات الأعيان” و ابن دِحية ( تلميذه) في ” المطرب” و السيوطي في ” البغية” و المقري في ” نفح الطيب” و ابن تغرى في ” النجوم الزاهرة” و ابن كثير في ” البداية و النهاية” و آخرون.
بلغ السهيلي شهرة واسعة وقد اجتمعت فيه خصال كثيرة إذ جمع بين المناظرة في العلم مع تحريره وإتقانه و عُرف بالذكاء الحاد و الفهم الثاقب في أمور الدين. اشتهر بغزارة علمه و سمو أخلاقه و أشعاره الصوفية و تفتحه في زمن اشتدت فيه العصبية المذهبية. بفضل هذه الخصال و خصوصا انتشار كتابه ” الروض الأُنُف” دعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف بن عبد المومن ( توفي عام 580) إلى العاصمة مراكش و أرسل اليه المراكب و اهتم بدخوله مدينة مراكش وذلك سنة 579. وفي هذا الصدد يقول تلميذه ابن دِحية الكلبي : ” وكان ببلده يتسوغ العفاف و يتبلغ بالكفاف إلى أن وصلت إليه و صحح ” الروض الأنف ” بين يديه فطلعت به إلى حضرة مراكش فأوقفت الحضرة عليه فأمروا بوصوله إلى حضرتهم و بذلوا له من مراكبهم و خيلهم و نعمتهم و قوبل بمكارم الأخلاق و أزال الله عنه علام الإملاق.”كان ديدن الخليفة الموحدي يوسف بن عبد المومن و يعقوب المنصور جلب ثلة من خيرة علماء الأندلس من أجل إثراء الحركة العلمية بالعاصمة مراكش كابن طفيل و ابن رشد و السهيلي. في مراكش تبوأ الإمام السهيلي مكانة رفيعة و وصل إشعاعه العلمي إلى كل أرجاء البلاد و قد استطاع أن يسرق الأضواء من بعض علماء الموحدين حتى ضاقوا منه ذرعا.
ألف السهيلي العديد من الكتب من بينها :
– الروض الأُنُف و المنهل الروي في ذكر ما حدث عن رسول الله و روى.
– التعريف و الإعلام فيما أبهم من القرآن من الأسماء و الأعلام
-كتاب الفرائض و شرح آيات الوصية.
– مسألة السر في عور الدجال.
– المسائل المفردات ( مسائل في النحو و التفسير و الحديث).
– قصة يوسف.
– القصيدة العينية.
– حيلة النيل في معارضة ما في السبيل.
نتائج الفكر في علل النحو.
مسألة رؤية الله تعالى في المنام و رؤية النبي.
كما للإمام السهيلي عدة أشعار، هذا نموذج منها :
يا من يرى ما في الضمير و يسمع *** انت المُعد لكل ما يُتوقع
يا من يُرجى للشدائد كلها *** يا من إليه المُشتكى و المَفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن *** امنُنْ فإن الخير عندك أجمع
توفي السهيلي بمراكش عام 581 هجرية ة 1187 ميلادية و دفن بروضة خارج السور أصبحت تحمل اسمه قرب باب الرُّب.