آخر الأخبار

 المجلس الأعلى للحسابات  : لا يا سيد مجلس النواب 

إدريس الأندلسي

ابتداءً من الغد سينكب قضاة المجلس الأعلى للحسابات على تبرير كل شيء  و ذكر الحسنات قبل السيئات. ما دام رئيس مجلس النواب ينسجم مع دوره في  ضرورة قول كلمة شكر في حق مدبري الشأن العام المجدين المجتهدين و الغيورين  على الأمانة التي تقلدوها،  فهذا لا يمكن أن يكون موضوع إختلاف.  للتوضيح فقط،  وجب القول أن تقارير الافتحاص  و المراقبة ليست شهادات على حسن السلوك  و لا تمجيد لمن قام بدوره على أحسن وجه.  هذا دور الحكومة  و الحزب  و النقابة  و الجمعية  و ليس دور مؤسسة مستقلة دورها وضع الأصبع على الاختلالات  في كافة دول العالم. 

المجلس الأعلى للحسابات ليس مجلسا للأستاذة في مؤسسة تعليمية أو   لرئيسة  مجلس إدارة لشركة، إنه مجلس يبدأ عمله  و ينهيه بملاحظات  و توصيات  و ليس بتوجيه التهاني على من أحترم القانون. كان على السيد العلمي، رئيس مجلس النواب، وإن كان رأيي أن المهمة أكبر من مؤهلاته،  أن يبحث في ما لم يتمكن، هذا المجلس ، دستوري المنشأ  ، أن  يضيفه كقيمة إضافية إلى تقييمه للوضع المزرى الذي توجد عليه حالة التدبير العام للمال العام  و نسبة قدرته على تقييم السياسات العمومية. 

أرجو أن يكون السيد الرئيس العلمي قد فهم مضمون ما أشرت إليه.  بلادنا تحتاج إلى تقوية كل آليات الرقابة على تدبير الشأن العام. لديك العديد من البرلمانيين الذين شملتهم أحكام قضائية  و منهم من ملفه رائج أمام محاكم المملكة  و لكنهم يمنحون صفة نائب الأمة  و يجلسون أمامكم.  في الحياة الديمقراطية الحقة يختار رجل السياسة،  و لو كان  وزيرا، الاختفاء عن الإنتظار للدفاع عن نفسه أمام القضاء. و تعلمون أن الدستور أنهى الاختفاء وراء الحصانة بإستثناء التعبير عن المواقف تحت قبة البرلمان.

هل يخفى على السيد الرئيس أن ممارسة الديمقراطية في بلادنا لا تحمي بلادنا  من تسلل الغرباء سياسيا  و أخلاقيا إلى مؤسسات التشريع. تسلل المجرم  و مهرب المخدرات  و المتهرب من الضرائب  و منهم  من فر إلى الخارج  و امتهن معارضة مصالح الوطن العليا.  من رشح هؤلاء  و من صوت على احتلالهم لمجالس ترابية  و من خاطبهم ” لكم الكلمة السيد النائب المحترم”. أعترف أيها الرئيس المحترم أننا نحتاج إلى مؤسسات تحترمها الأحزاب أولا لكي يحترمها المواطنون  و المواطنات. 

لقد أصبح سهلا  و يسيرا أن يواجه السياسيون و خصوصا منهم من يسير الشأن العام مسؤولي مؤسسات الحكامة التي أقرها دستور المملكة. الأمر طال دراسات المندوبية السامية للتخطيط التي تعتبر من المؤسسات التي تحظى بتقدير دولي على ما راكمته من دراسات علمية.  و تم التهجم على مؤسسة بنك المغرب  و مجلس المنافسة  و المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي  و على أعمالهم المبنية على أساس علمي  و خبرات دولية.  كل هذا في ظل وجود مؤسسات أغلب اعضاءها يشرعون  و هم لا يعرفون مضمون مشاريع القوانين  و لا يفقهون في تأثيرها على الإقتصاد الوطني.  و يدري السيد الرئيس أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية قد تم التصويت عليها بالأغلبية بعد أن  زال شرط المستوى الدراسي الذي وضع من أجل قطع الطريق على الاميين  و منعهم من دخول مجال التشريع.   و انتصر المحامون عن الأمية حتى يحتل الجاهل بالشأن العام مكان العارف.  و لنا في جلسات البرلمان المنقولة تلفزيونيا خير دليل.  قبل عقود كنا نرافق وزير المالية لكي نحضر الأجوبة خلال جلسات اللجان المختصة. و كنا نخاف من تدخلات النواب ذوي الخبرة و  الكفاءة.  هذا اليوم الذي نعيشه لم يعد صعبا على الوزير.  أصبحت مواجهة نواب الأمة في غاية السهولة  سواء تعلق الأمر بسؤال حول آلتدابير الجباءية أو الجمركبة أو تلك التي تتعلق بكل مكونات الميزانية.  قليل هم نواب الأمة الذين يحرصون على مخاطبة الحكومة بالرأي  و الدليل  و الاقتراح.  

 و في ظل كل ما سبق، يطل علينا رئيس مجلس النواب ليقول أن المجلس الأعلى للحسابات  يجب عليه  قول حسن في فعل حسن.  هذا ليس دوره أيها  الرئيس.  مؤسسات الرقابة  و الافتحاص  و التقييم  ستحيد عن دورها إذا استحسنت  ممارسات تدبيرية  موازاة مع خلاصات تشير إلى مكامن نقص أو اختلالات في التدبير. 

 

فلنترك مؤسسات الحكامة الدستورية تشتغل بمهنية  و بنقد بناء قد لا يفهمه الكثير من المشرعين. لكل ما سبق فلندعو إلى أن تزيد فاعلية  و نشاط أجهزة الرقابة ببلادنا لسبب  واحد هو محاربة جاهل ذو مال يدبر شأنا عاما  و يغتني بدون سبب  و يغش الضرائب  و الضمان الاجتماعي.  فلنترك مؤسسات الرقابة دون وصاية من أي  كان.  تدخل أعداء الشفافية للحد من التدخل المهني العال للمفتشية العامة للمالية  و نجحوا في الحد من عملياتها  بعد أن وضعت الأصبع على مكامن الداء.  بعد أن أصبح القضاء يجد في هذه المؤسسة كل عوامل المهنية التي تكشف سوء التدبير العام.  و لمن لا زالت لديه رغبة في تصحيح الأوضاع أن يطالب بعودة الروح إلى مؤسسات الرقابة المالية  و على رأسها  المفتشية العامة للمالية.   و السلام على من يطمح إلى وطن يقظ يحارب من يريد زعزعة الإيمان بمستقبل واعد لوطننا.