آخر الأخبار

المؤسسة السجنية و حقوق الإنسان

عرفت الفيلسوف الانجليزي جريمي بنتام، كاحد فلاسفة الانوار الانجليز الكبارالذين طبعوا زمنهم مثل جون لوك جون ستيوارت ميل ووليام طومسون صاحب “فائض القيمة”الذي اخذه عنه ماركس، وعرفته على الخصوص باعتباره الاب المؤسس للفلسفة الحدية التي استمر تاثيرها في الاقتصاد السياسي مند فلراس الى اليوم يمينا ويسارا . لكن بحثا حول السجن والسياسة السجنية كنت قدشرعت في انجازه مند مايزيد عن سنة، قادني الى اكتشاف ان كتاب مشيل فوكو حول المراقبة والعقاب مستوحى في كليته من جريمي بنتام الذي اشتغل على موضوع السجن قبل فوكو بقرنين تقريبا، وهو مانبه له كتاب انجليز في ذلك الوقت، والى اكتشاف درجة اهتمام بنتام بالمؤسسة السجنية الامريكية، وبالاخص مؤسسة بنسلافانيا التي انتشرت بعد ذلك في اوروبا والعالم، ومسعاه الى وضع تصور لمؤسسة سجنية تقوم على النجاعة وتجنب الاحتكاك مع السجناء حد انه استعان باخيه المهندس المعماري لرسم مؤسسة سجنية دائرية يتوسطها برج عال تجري من خلاله المراقبة، لكن السجين لايعرف من البرج ويتصور عدد المراقبين اكبر من العدد الحقيقي.
نموذج بنتام لم يؤخذ به الا بشكل محدود في التجربة السجنية في العالم، لكنه يظل من حيث فلسفته نموذجا للاستيحاء لتجنب العلاقات المتوترة بين السجن والسجان وما يترتب عليها من عنف في كثير من الاحيان، اخذا بعين الاعتبار ان المؤسسة السجنية لاتقوم بتنفيذ حكم صادر عن القضاء، بل تقوم بتكييف التنفيذ وفق قانونها وتدبيرها ومعطياتها . ولذلك وجب ان يكون التنفيذ غير مناقض للدستور والاتفاقيات الدولية المصادق عليها، فالسجين يحكم بحكم سالب للحرية لكن ذلك الحكم لايسلبه انسانيته وحقوقه الاساسية-الطبيعية، ولا يجيز باي حال من الاحوال اي معاملة حاطة بالكرامة البشرية او تعذيب او غير ذلك من اصناف المعاملة المحرمة دوليا، ولا يجيز ايضا ان يضاف الى حكم القضاء ماليس فيه او ممارسة اي انتقام او ماشابه، لذلك تبقى المراقبة عن بعد افضل من الاحتكاك المباشر المغري بممارسات تسلطية احيانا او استفزازية في احيان اخرى.
اذكر اننا التقينا في سجن سيدي سعيد بمكناس، وكان مندوب السجن وزميلي في ثانوية محمد الخامس بمراكش وقتئذ سجينا معي وكانت توجهاتنا على طرفي نقيض، بحراس اتذكر الى اليوم طيبوبتهم كمولاي ادريس والمنصوري وغيرهم، لكن كل الحراس لايتمتعون بنفس القدر من الصبر والتفهم والقدرة على الاقناع بسلوكهم. واذكر انني صادفت في سجن عين برجة بالدار البيضاء ثم في سجن مكناس بحارسين من المسرحيين المحترمين في ساحة مسرح الهواة وقتئذ سبق لي الالتقاء بهم في المهرجانات واللقاءات المسرحية قبل السجن، وكان احدهما عضوا في الجامعة الوطنية لمسرح الهواة.وهذا مالم يعد موجودا اليوم.
لااستبعد ان يحصل نفور وتلاسن بين السجين والسجان، ولذلك من مسؤولية المدبرين الحيلولة دون حصوله، باحترام السجين كانسان له حقوق اولا، وذلك مايترتب عليه الاحترام المتبادل.
يذكر التامك اننا نحن ايضا اضربنا عن الطعام ودخلنا في صراعات مع ادارة السجن ومديرية السجون انذاك، وليس ما يحصل اليوم جديدا، لذلك حداري من التشنج المؤدي للمبالغة، فحينئذ لا يبقى القانون هو الفيصل بل ردود الافعال التي يمكن ان يؤثر فيها من لاعلاقة له بتدبير الحياة في السجون، وربما من لم يستوعب بعد ان حقوق الانسان تقوم على اساس قانون عالمي ملزم لكل عضو في الامم المتحدة بغض النظر عن قانونه الداخلي ومدى ملاءمته معه من عدمها.
والله يفك هذا الجرة بخير.

محمد نجيب كومينة / الرباط