آخر الأخبار

الشخصيات التراثية في الملحون : سيف بن ذي يزن

سعيد عفلفل 

هذه شخصية تراثية أخرى حفل المتن الملحوني بذكرها والتغني بها. وتعطينا حقيقية ثابتة مفادها أن شاعر الملحون لم يكن بمعزل عما يجري داخل وطنه و في الأمصار الأخرى؛ وأن ثقافته واسعة محيطة بجل الأحداث التي شهدتها حضارات أخرى. حين ينظم شاعر الملحون قصائده، يكون على بينة تامة بما ينظم و يحكي.
سيف بن ذي يزن ( 516 – 574) هو أحد ملوك اليمن قبل مجيئ الإسلام. كان قصره في غمدان في صنعاء و فيه استقبل وفدا من قريش برئاسة عبد المطلب بن هاشم جد الرسول جاؤوا مهنئين ابن ذي يزن بمناسبة انتصاره على الأحباش.
يشتهر سيف بكونه أحد أشهر ملوك العرب. وتتأرجح قصة سيف بن ذي يزن بين الواقع و الخيال خصوصا حين تحولت حياته و منجزاته الحقيقية إلى أسطورة خلدتها السيرة الشعبية التي كتبت حوله. فتحول سيف إلى مخلوق أسطوري خارق تتقاطع حياته بين الإنس و الجن. إذ ألبسته السيرة الشعبية لباسا غير بشري و جعلت له أصولا جنية من جهة الأم. حسب السيرة كانت أم سيف إحدى ملكات الجن وله أخت من الجن. وقد توجت السيرة سيف بن ذي يزن ملكا على الإنس و الجن. ويطول الخوض في هذا الجانب الخرافي من حياة سيف بن ذي يزن.
بالعودة إلى الحياة الحقيقية لسيف، هو سيف بن ذي يزن بن عافر بن أسلم بن زيد من أذواء حِمْيَر.
قبل حكمه لليمن، كان هذا الأخير بلدا محتلا من طرف الأحباش الذين عاثوا في الأرض فسادا و نكلوا بأهله و أذاقوهم الويل حتى في عهد ذي يزن أب سيف. بغية طردهم من اليمن، توجه سيف في البدء إلى أنطاكية طالبا مساعدة قيصر الروم غير أن القيصر رد سيفا منكسرا إذ رفض طلبه لكون الأحباش و الروم كانوا على دين واحد هو النصرانية ( المسيحية). توجه بعد ذلك إلى بلاد فارس راغبا في مساعدة كسرى له. و بعد تردد و استشارة وزرائه وافق كسرى أنو شروان على طلب سيف و بعث معه جيشا عرمرما من السجناء. اشترط كسرى على سيف مجموعة من الشروط كأن يؤدي اليمنيون الجزية للفرس، وأن يتزوج الفارسيون اليمنيات وألا يتزوج اليمنيون بالفارسيات، وأن يظل اليمن خاضعا لسيطرة الفرس. قبل سيف كل هذه الشروط. وقال قولته الشهيرة : ” استبدلنا أسيادا بأسياد”. و بفضل الفرس تمكن من طرد الأحباش و دحرهم. أما نهاية سيف فقد كانت على يد الأحباش أنفسهم. حكم سيف اليمن زهاء أربعة أعوام إلا أن بعض الأحباش تمكنوا من قتله غيلة في قصره حوالي عام 574م. انتقم الفرس لمقتل سيف، إذ أرسلوا حملة ضخمة لليمن اعادوا بواسطتها السيطرة على البلاد و نصبوا ابنه حاكما بجانب الفرس.
ككل أبطال السير الشعبية ،استأثر سيف بن ذي يزن باهتمام الشعراء العرب – قديمهم و حديثهم – و وظفوا قصته في قصائدهم كل حسب غايته. وأسوق هنا مثالين من الشعر العربي. هذا أمية بن أبي الصلت يقول :
“ليطلب الثأر أمثال ابن ذي يزن ** في البحر خيم للأعداء احوالا
أتى هرقل وقد شالت نعامته ** فلم يجد عنده بعض الذي سالا
ثم انتحى نحو كسرى بعد عاشرة ** من السنين لقد ابعدت إيغالا
من مثل كسرى شاهنشاه الملوك له ** أو مثل وهرَزَ يوم الجيش إذ صالا.”
اما الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي فيقول في قصيدة رثاء الأندلس :
يمزق الدهر حتما كل سابغة ** إذا نبت مشرفياتو فرصان
و ينتضي كل سيف للفناء ولو ** كان ابن ذي يزن و الغمد غمدان.”
اما في الشعر الملحون المغربي هناك أمثلة عديدة لقصائد ورد فيها ذكر سيف بن ذي يزن. يقول الشاعر علي البغدادي في قصيدة القاضي :
” سيف اليزان بهيبة الغاني ** جاب الكتاب من جا برضا صداق زوحتُه شامة يا فطّان. ”
و في قصيدة الحجام، يقول محمد بن علي المسفيوي :
” دير بن ذو يزن قبالهم ماسك علام** دير قومُه بتمام ** دير دومر ولدُه من كايشرب الدما.”
وفي قصيدة الكاوي يقول بوعزة الدريبكي:
“طوع كسرى على نصالُه و ما قاسى مع الهلالي ** و مطوع سيف و الغلام العبسي و امثالُه.”
لن اختم هذه الورقة دون ذكر المسلسل الإذاعي الشهير” الازلية” الذي دأبنا على الاستماع لحلقاته على أمواج الإذاعة مستمتعين بأصوات ممثلين مغاربة رحمه الله؛ محمد حسن الجندي، عبد الرزاق حكم، العربي الدغمي، حبيبة المدكوري، أمينة رشيد، فاطمة بن مزيان وآخرون. رحمهم الله جميعا.